تركيا : حزب الشعب الجمهوري يهب إلى نجدة أردوغان - 2015

Print
ترجمة

********

ن أسبوعية النضال العمالي في 27 تموز / يوليو 2015، عدد رقم 2504.

********

بعد أسبوع على محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكومة أردوغان، تميز نهار الأحد 24 تموز / يوليو بخطوة حزب الشعب الجمهوري (الاشتراكي ـ الديمقراطي) الذي هب لإنقاذ هذه الحكومة الهشة.

فمنذ انقلاب 15 تموز / يوليو، دعا الرئيس أردوغان أنصاره إلى الاستمرار باحتلال الساحات العامة وعقد المهرجانات الخطابية المتتالية. وإذ بهم يجوبون الشوارع حاملين العلم التركي ويقومون، في بعض الأحيان، بتهديد المعارضين الفعليين والمفترضين وحتى بتحذير النساء بآن لبس الحجاب سوف يصبح إجباريا. ولكن إن أراد أردوغان إقناعهم بهذه الطريقة بتحقيق النصر، فهو، في الحقيقة، يريد أيضا إخفاء ضعفه.

زعزعة سلطة أردوغان

ولهذا السبب، فقد لاقت المهرجانات الخطابية الكبيرة التي عقدها في 24 تموز / يوليو حزب الشعب الجمهوري في المدن الرئيسية في البلاد تحت شعار "لا دكتاتورية ولا انقلاب، تركيا ديمقراطية"، الدعم المفتوح من قبل حزب العدالة والتنمية، حزب اردوغان. فهو الآن يحتاج دعما من اليسار، وعلى أي حال من اليسارالمؤسسي، وهذا منعطف سياسي ملحوظ.

في الواقع، كاد الانقلابيون النيل من أردوغان في ليلة 15 ـ 16 تموز / يوليو. فإنهم قد وصلوا إلى مقره الصيفي بعد ربع ساعة من مغادرته متجها إلى المطار، ففشل مخطتهم باعتقاله أو بقتله. وإذا كانت محاولة الانقلاب هذه من فعل أقلية من الجيش، إلا أن ردة فعل قادة الجيش والمخابرات كانت متراخية، وحتى معدومة، وكانوا بانتظار رؤية إلى أية جهة سوف تميل كفة الميزان كي يتخذوا موقفهم.

إن عدم انحياز أصحاب المراتب الرفيعة إلى جانب الانقلاب قد سمح بالفعل لحكومة أردوغان على البقاء واقفة على قدميها، إلا أن هذا التردد قد أظهر أيضا لاردوغان بأنه لا يستطيع الاعتماد على جهاز الدولة وأن موقفه هش فعلا. فكانت ردة فعله الفورية بإطلاق عملية تطهير كبيرة في الجيش والشرطة وأيضا في القضاء والوزارات الرئيسية، لا سيما في التعليم.

وعملية التطهير هذه، والتي قد تطال 000 60 شخصا حتى الآن، ليست إلا استمرارية لما كان يجري منذ مدة. ويبدو أن قادة الانقلاب قد قرروا الشروع بالانقلاب لأنهم كانوا يعرفون أنهم سوف يكونوا قريبا هدفا لهذه العملية. فمنذ ثلاث سنوات على الأقل، تشهد أجهزة الدولة التركية صراعا مستميتا بين فصيلتين، تلك التابعة للرئيس أردوغان وتلك التابعة لخصمه فتح الله كولن، اللاجئ في الولايات المتحدة، بعد أن كانا جنبا إلى جنب في رئاسة عملية تأسيس حزب العدالة والتنمية، الموصوف بـ"الإسلامي المعتدل"، والذي بات يحكم تركيا منذ مدة أربعة عشر عاما.

قتال الزمر في جهاز الدولة

ولقد بات لـ"حركة الحزمت"، التي يقودها فتح الله كولن، تأثيرا قويا. فهي تقوم بتعليم العديد من أبناء البرجوازية التركية في المدارس والجامعات الخاصة التابعة لها، وقد وضعت يدها على حصص في الشركات الرأسمالية وأسست للعديد من الروابط داخل جهاز الدولة، كما أصبح لها جنرالات في جهاز الجيش محل الجنرالات ذات الميول الكمالية. ولكن، منذ عام 2013، اشتد التتنافس بين زمرة كولن وزمرة أردوغان.

وقد لعبت الأزمة الاقتصادية وأزمة الشرق الأوسط دون شك دورهما في زيادة التافس بتقليسها أرباح كل منهما. على أية حال، فمنذ أن بدأ القضاة المقربون من كولن بالتحقيق بتهمة الفساد ضد أردوغان، يحاول هذا الأخير يائسا إزالة أنصار كولن من مواقعهم داخل جهاز الدولة. لكن انقلاب 15 - 16 تموز / يوليو وتداعياته قد أظهر لأردوغان أن العملية قد تتحول غلى معركة لا نهاية لها. وعلاوة على ذلك، فجميع عمليات التطهير التي حصلت قد أدت إلى زعزعة متانة الدولة نفسها، وخصوصا الجيش الذي فقد عددا من الجنود والضباط المتورطين مباشرة في الانقلاب وكذلك العديد من الذين شجعوه من بعيد أو التزموا الحياد.

البحث عن دعم من اليسار

إذن، في أعقاب محاولة الانقلاب، توجب على أردوغان الحصول على الدعم من جهة أخرى غير أصحابه الاسلاميين الذين فقد الثقة بهم. وإذ به يجد الدعم لدى الجنرالات والضباط الكماليين الذي كان حزب العدالة والتنمية قد أقساهم من مراتبهم في السابق. فدعاهم أردوغان الآن لاستئناف عملهم بهدف ملئ الفجوات التي خلفتها عملية تطهير مناصري كولن.

وبموازاة عملية المسالمة المرغمة هذه مع هؤلاء الضباط الذين بقوا بعيدا عن محاولة الانقلاب ضده، بدأت الآن عملية سياسية حيث أن كل الأحزاب البرلمانية قد قامت بالفعل بالتنديد بمحاولة الانقلاب، على الأقل بعد فشلها. وجميعها تدعي الدفاع عن الديمقراطية، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري. يضاف إلى ذلك أن عملية التطهبير لم تطال اليسار، خلافا لعدد من العمليات السابقة.

فاردوغان الذي طالما قد تعرض للانتقاد بسبب التحول السلطوي لنظامه بات الآن بحاجة إلى إيجاد تغطية من قبل اليسار تعطيه صفة الديمقراطي الواقع ضحية لنزعات الجيش الانقلابية. فأبدى حزب الشعب الجمهوري عاستعداده لتقديم هذا الدعم، خصوصا مع تنظيمه لتجمعات 24 تموز / يوليو. لكن من المرجح أن لعب هذا الدور لن يكون دون مقابل، ولا بد من وجود مساومات جارية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري على ما سوف يحصل الاخير في المقابل.

التحول السياسي

والسؤال الباقي هو في تحديد ماهية هذه المعركة بين الفريقين الإسلاميين في جهاز الدولة، من وجهة نظر البرجوازية ومصالحها العامة. فمن ناحية، إن هذا يدل على أن الحزب الإسلامي يمكنه إعطاء الاولوية لهذه المعارك التي تمزقه، على مصالح رأس المال الكبير. ومن ناحية أخرى، فإن أردوغان نفسه قد قام بزج تركيا في سياسة مغامرة، بالنسبة لهذه المصالح. فسياسته في الشرق الأوسط، التي قامت على دعم تنظيم داعش ضد نظام بشار الاسد، الذي كان يوصفه على أنه صديق له في السابق، قد أدت إلى خسائر فادحة للرأسماليين الاتراك، كما أدت هذه السياسة إلى زيادة عزلة تركيا، بما في ذلك بالنسبة لحليفتها التقليدية الولايات المتحدة الاميركية.

وكان أردوغان نفسه قد بدأ بتغيير مسار هذه السياسة، بإعادة إحياء علاقته بروسيا والسعي من الآن فصاعدا إلى مكافحة داعش، ذلك دون أن يخلو ذلك من عواقب كموجة الهجمات الارهابية التي تشهدتها البلاد في أواخر حزيران / يونيو في مطار اسطنبول. لكن انقلابيي 15 تموز / يوليو، مما لا شك فيه، كانوا يأملون، بطردهم أردوغان عن السلطة، القيام بسياسة أكثر انسجاما مع رغبات واشنطن والحكومات الغربية، وتشكيل حكومة يمكن الاعتماد عليها في هذا السياق.

إن أردوغان سيحاول تطبيق هذه السياسة بلا شك الآن، بعد أن شعر بخطورة الموقف، وهذا بدعم من حزب الشعب الجمهوري. ولكنه بات الآن يكن بالفضل لهذا الحزب الذي يقدم نفسه على أنه حزب اشتراكي ديمقراطي ولكن بتقليد كمالي ومناصر لعلمانية الدولة في خطابه. وبالمثل، فقد أصبح أردوغان أكثر اعتمادا على حسن نية قادة الجيش، وبالتالي الجنرالات الكماليين الذين اضطر على إعادتهم إلى القيادة. يمكن للمرء أن يتساءل عن طيلة أمد هذا التحالف ولمصلحة من سوف يؤول في نهاية المطاف.

أما العمال الأكثر وعيا، بما في ذلك العديد من الناشطين في حزب الشعب الجمهوري وفي النقابات، لديهم كل الحق بالحذر من المنعطف الحاد الذي اتخذه هذا الحزب. فالزعيم الاشتراكي الديمقراطي لهذا الحزب، كليتشدار أوغلو، الذي كان قد حلف في السابق بأنه لن يضع قدمه في القصر الرئاسي الجديد الذي بناه أردوغان، ذهب إلى هذا القصر في 25 تموز / يوليو تلبية لدعوة أردوغان. فأصبح أعداء الأمس أصدقاء، وكما قال أحد العاملين، "عندما ينتهون من الكولانيين، سوف يحولون هجومهم ضدنا نحن العمال". وبالفعل، فإن الطبقة العاملة لديها كل الاسباب لتوخي الحذر من هذا الاتحاد الوطني الجاري والذي قد يسمح لأرباب العمل وللحكومة بتنفيذ الهجمات التي ينون شنها منذ مدة ضد العمال.