الأزمة المالية : مجتمع ذو لامسؤولية غير محدودة - 2008

ترجمة

النضال العمالي٬ العدد 2069 * 28 مارس 2008

إن الأزمة المالية الراهنة يمكن أن تؤدي إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العلمية الثانية. هذا السيناريو الكوارثي هو ما

أدلى به أحد رؤوس مفكري النظام الرأسمالي في العالم، الرئيس السابق للبنك المركزي الأميركي. وأزمة اقتصادية حادة تعني الآلاف من الشركات المغلقة أو العاملة بشكل بطيء، وتسريح جماعي للعمال، والبطالة، وغرق قسم كبير من الطبقة الكادحة في بؤس حاد.

و ليست الكوارث الطبيعية هي ما يكمن وراء هذه الكارثة الاقتصادية والاجتماعية٬ بل على العكس. ففي نفس اليوم الذي عنونت فيه إحدى الصحف٬ عن وجود هذا الخطر، أشارت في عنوان آخر لها إلى أن أكبر الشركات المسجلة في البورصة، المعروفة تحت اسم ال 40 CAC، قد سجلت كمية هائلة من الأرباح٬ وذلك أكثر من أي وقت مضى. الاقتصاد الرأسمالي يغرق حاليا في هذا الشحم الذي ينتج عنه.

منذ سنوات عدة٬ يفرض على العمال٬ باسم القدرة على المنافسة٬ المزيد والمزيد من العمل، وذلك وسط خفض مستمر لعدد الموظفين و تدني مستمر للأجور. هنا يكمن سر الأرباح الكبيرة للشركات. فالأرباح المتزايدة لا تستثمر في سبيل زيادة الإنتاج وإيجاد فرص للعمل، ولكنها تستعمل في المعاملات المالية والمضاربة في البورصات العالمية.

وهو التنامي غير المنضبط للمضاربة الذي أدى إلى انهيار الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، ومنه تدريجيا، إلى أزمة النظام المصرفي الأميركي بأكمله. وإذ كانت جميع البنوك الرئيسية في العالم تريد الحول على أوراق الرهن العقاري هذه، لما كانت تجلب من الربح السريع في ذلك الحين. فاليوم، فلم يعد لهذه الأوراق أية قيمة. وبما أن جميع البنوك الكبرى تملك من هذه الأوراق الفاسدة فهي مهدده الآن بالإفلاس. من هنا٬ ازداد حذر البنوك من بعضها البعض٬ و أصبحت كل منها ترفض تقديم قروض للبنوك الأخرى٬ مما أدى إلى نقص حاد في السيولة٬ رغم وجود الكثير من الأموال.

ومجرد هذه المرحلة الأولى من الصدمة الاقتصادية تترجم حتى الآن٬ في بؤرتها الولايات المتحدة، بآلاف حالات الصرف عن العمل في قطاعي البناء والمصارف، ناهيك عن الملايين من الأسر التي طردت من ديارها التي اشترتها مؤخرا، ذلك بسبب عدم تمكنها من تسديد القروض التي قد استلفتها.

والجميع يعلم ويتنبأ أن انخفاض الاستهلاك الناتج عن هذا الوضع٬ إلى جانب صعوبة الحصول على الائتمان، سيؤديان إلى ركود في قطاعات أخرى من الاقتصاد. وحينها فالأزمة لن تقتصر على الولايات المتحدة فحسب.

الكارثة هي إذا معلنة. فإلى من قام قادة العالم الرأسمالي بإدفاع ثمنها؟

إلى من ليس له أية مسؤولية بحدوثها٬ هولئك الذين قد حققت على ظهرهم كل هذه الأرباح التي أدت إلى تدمير الاقتصاد.

ولتجنب الإفلاس بالجملة للمصارف المنخرطة حتى العظم في المضاربة٬ قامت البنوك المركزية، أي الدول نفسها، بإعطاء مبالغ هائلة لهذه المصارف. وهي تنوي مواصلة هذه السياسة من أجل تحسين حال المصارف عبر شراء أسهمها الفاسدة٬ وهذا بالمال العام. ففي حين أن الأرباح هي في المجال الخاص، يأتي حل الخسائر باشتراك كافة المجتمع.

وحتى لو تمكن من حل الأزمة المصرفية، وهو ما ليس من مؤكد إطلاقا٬ فذلك سوف يترجم بتسارع التضخم في جميع أنحاء العالم. فها هي زيادات الأسعار تقوض القدرة الشرائية للعمال والمتقاعدين. بين تدمير القدرة الشرائية للطبقات العاملة وزيادة التضخم والبطالة من أجل إنقاذ أرباح البنوك والشركات التي تمارس المضاربة - جميعها في الحقيقة - هذا هو برنامجهم الاقتصادي. لا شيء غير الانفجار الاجتماعي بمقدوره منعهم من فعل ذلك.

المجتمع يحتضر من جراء هذا النظام الاقتصادي المعدوم من العادلة ومن المنطق أيضا. إن الإنهاء على الملكية الخاصة لرأس المال٬ بهدف الانتهاء من ديكتاتورية المجموعات الرأسمالية الكبرى، وسباقها لتحقيق الأرباح، هو البرنامج الوحيد الذي يجب على الطبقات الشعبية فرضه في سبيل التصدي لمديري الاقتصاد.