مصر - انتخاب محمد مرسي ؛ الجيش والاخوان المسلمون يتقاسمون الأدوار- 2012

ترجمة

مجلة النضال العمالي رقم 2291 بتاريخ 29 حزيران / يونيو 2012

في الأحد 24 يونيو، وبعد انتظار دام عدة أيام، قامت لجنة الانتخابات المصرية بإعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية وفوز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، أي الحزب السياسي المنبثق عن الإخوان المسلمين.

قبل ذلك، كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى السلطة منذ سقوط الرئيس مبارك منذ خمسة عشر شهرا كراع "للتحول الديمقراطي" في مصر، قد اتخذ الاحتياطات الازمة للحد من تأثير الرئيس المنتخب. إذ قام المجلس الدستوري بإلغاء نتائج انتخابات المجلس التشريعي التي أجريت في ديسمبر كانون الاول وكانون الثاني والتي أدت الى وجود اغلبية إسلامية في البرلمان كان للإخوان المسلمين فيها حصة الأسد. إذا، حتى وإن تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية، فإنه يبقى دون سلطة فعلية بارتباطه في الواقع بمشيئة الجيش.

ووفقا لجميع التعليقات، يبدوا أن مفاوضات مكثفة تتم حاليا بين الجيش والاخوان المسلمين حول كيفية تقاسم السلطة بين القوتين. يقال أن البرلمان سوف يعاد تشكيله بشرط أن يقوم الاخوان المسلمون بتشكيل حكومة تضم أعضاء من غير الإسلاميين وألا يسعوا إلى جعل الشريعة أساسا لتشريعات وقوانين الدولة.

ففي حال تم هذا النوع التوافق، فإنه سيكون استمرارية لما كانت عليه الحكومة المصرية منذ ما قبل رحيل مبارك. فكما في البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، تستند نفوذ الحزب الإسلامي على الشبكات التي أنشأها حول المساجد في الأحياء الشعبية والتي تقدم المساعدات الاجتماعية للسكان، ومن أغلبها المساعدات الطبية، في ظل غياب دور الدولة وقلة اكتراثها لحال الشعب. ويقوم بإدارة هذه الشبكات بعض البرجوازيين الأغنياء وبعض الأطباء والمهندسين، وهي تعتمد على العديد من عناصرها المتشددين دينيا والمتواجدين بكثرة في الأحياء الشعبية.

ولذلك، وإن كان الجيش مصمما على الاحتفاظ بالمفاتيح الأساسية للسلطة السياسية، فهو يتقبل الإخوان المسلمين أكثر فأكثر، ذلك بسبب ما يشكل وجودهم في المدن والأحياء الشعبية من عامل للسيطرة بقوة على المجتمع، وللحؤول دون أن يؤدي بؤس السكان إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه. فالأزمة المفتوحة منذ سقوط مبارك سمحت بزيادة قوتهم إلى حد الوصول إلى السلطة السياسية، ولكن دائما بشريطة تقبل مشاركة السلطة مع الآخرين، وذلك تحت رقابة الجيش العليا. ومن ناحية أخرى، يتعرض الاخوان المسلمون لمزاحمة السلفيين الذين ينتقدونهم على قدرتهم على المساومة وتقديم الكثير من التنازلات.

ويظهر أن اتصالات قد قامت بين الاخوان المسلمين والقوى الامبريالية المؤثرة على الجيش، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، والتي سعت إلى التأكد من قدرة هذا الحزب الديني على تقديم سياسيين ذات مسؤولية وقادرين على التعامل معها، مع علمها بأن جماعة الاخوان المسلمين قد نشأت في مصر بدعم من اجهزة الاستخبارات البريطانية نفسها.

قد نشهد إذا في المرحلة القادمة تكملة لهذا التعاون مع شيء من التصارع بين الاسلاميين والجيش. كحال شبيه بما يحدث في تركيا، وكما كان في الجزائر في الماضي، فالجيش يمكن أن يلعب دور الضامن لشيء من العلمانية واحترام الأقليات الدينية غير المسلمة، أي كحاجز في وجه الأصولية. لكن هذه المواجهة في تركيا مصطنعة في الواقع إلى حد كبير، حيث أن الجيش في السلطة كان أول من سهل نمو الوجود الإسلامي الذي كان يرى فيه الضامن ضد تطور الأفكار اليسارية والثورية.

والحال سيان في مصر، حيث أن الجيش قد ترك المجال لنمو الإسلاميين، وإذ ما إنه يعترض اليوم على استحواذهم الكامل على السلطة السياسية، يمكن القول أن هؤلاء يملكون السلطة في المجتمع منذ فترة طويلة. يكفي أن نرى كيف أن أيام الجمعة يتم ذيع خطبة المساجد عاليا عبر مكبرات الصوت المثبتة بشكل دائم في كل شوارع القاهرة، أو أنه كيف، منذ عدة سنوات، تم فرض الحجاب بشكل شبه كلي على النساء، حيث أن العذر الوحيد لعدم لبسه هو أن تكون المرأة مسيحية.

وعلى صورة الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي انحصر بين مرشح الإسلاميين ومرشح الجيش، فيبدو أن السلطة، بعد خمسة عشر شهرا من رحيل الرئيس مبارك، باتت في سدد أن يتشارك عليها الجيش من جهة، كضامن لشكل من الحداثة، وحزب رجعي يدعي التعبير عن إرادة الشعب عبر مرشحه المنتخب ديمقراطيا من جهة أخرى، الأمر الذي لا يترك للناس غير التساؤل عن أي من الاثنين هو الاقل سوءا.

وبالفعل، أيا منهما لا يمثل التطلعات الديمقراطية والاجتماعية التي كانت قد بدأت في الظهور في يناير وفبراير 2011 ضد سلطة مبارك. فالثورة لا زالت غير منجزة في مصر، وعليها مجابهة ما يبدو على أنه وجهين لسلطة البرجوازية والإمبريالية.

أندري فريس