الولايات المتحدة : الطبقة العاملة مصابة بالأزمة مباشرةً - 2008

إطبع
ترجمة

مقتطفات من مقال نشرته المنظمة التروتسكية الاميركية "سبارك" Spark في العدد 62 

منذ بداية الأزمة الاقتصادية ، لقد زعمت إدارة بوش ثم إدارة أوباما أن إنقاذ الشركات الكبرى عملية حيوية قصد تبطئة سقوط الاقتصاد وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من إمكانية وقوع جمود أسوأ بكثير من كساد الثلاثينات. فقدموا مليارات من الدولارات للمصارف والشركات الكبرى بمناسبة الخطط الإنقاذية المتعددة التي أنشأوها.

وبعد إسراف آلاف من مليارات الدولار ازداد سقوط الاقتصاد شدة. و آلاف من مليارات الدولار هذه التي سيدفعها دافعو الضرائب كلهم تكون وسادة مالية لطيفة جدا لصالح البرجوازية والعمالقة الماليين لكي ينجوا من الأزمة التي سببوها هم بأنفسهم أفضل النجاة.

أما حالة العمال فحالة تختلف تماما. إن الحكومة لا تفعل شيئا البتة لحمايتهم من الشرور التي أطلقتها الأزمة : أزمة السكن وفقدان الوظائف وتخفيض الأجور والاستحقاقات. وبالعكس يقوم الساسيون بهجومات شديدة على الحماية الاجتماعية في الوقت الذي أصبح العمال في أشد الحاجة إليها... إن السياسيين يأخذون كل ما يستطيعون أن يأخذوا من المال على حساب البرامج الاجتماعية ، ليقدموه إلى البورجوازية !

الوظائف التي تضررت من الأزمة

كان هذا الهجوم على الوظائف من الهجومات الأكثر تدميرا ، مع فقدان 5،1 ملايين وظيفة منذ بداية الركود في كانون الأول / ديسمبر 2007 ، مع أكثر من المليونين منها في شركات السلع الاستهلاكية وفي قطاع البناء. وعلاوة على ذلك ، فإن وتيرة خفض الوظائف تتسارع مع ما يقارب الستمائة والخمسين ألفا في الشهر منذ تشرين الأول / أكتوبر 2008.

وحتى الوظائف التي كان يلتجئ إليها العاطلون عن العمل تقليديا ، والتي تقع في البيع بالتجزئة والمطاعم والخدمات ما بعد البيع والوظائف بالنيابة ، أصبحت قليلة جدا. أما بالنسبة إلى الوظائف التي كانت تعتبر وظائف ثابتة مثل الوظائف الواقعة في مكاتب البريد وقطاع الصحة والإدارات العمومية ، فيتم إلغاؤها هي أيضا .

طبعا ، إن البطالة اليوم لا تساوي أهمية ما كانت عليه في ذروة الكساد الكبير ، فلم تصل الى مستويات عام 1933. ولكن ليس من المستحيل أن تكون قد وصلت بالفعل إلى مستويات عامي 1930 و 1931 ، أي مستويات المرحلة الأولى من الكساد الكبير.

إن الزيادة في معدل البطالة هي نتيجة من نتائج جهود أرباب العمل للحد من تكاليف العمالة ، أي جهودهم لإجبار عدد من العمال يصبح أقل فأقل على إنتاج لا يزال يزداد أكثر فأكثر . إن إنتاجية العمالة ارتفعت ارتفاعا كبيرا بنسبة 3،2 في المائة في الربع الأخير من عام 2008 وبنسبة 2،8 في المائة لمجمل العام. وبالفعل لم تشهد قط زيادة مثل هذه الزيادة في الإنتاجية في ظروف انكماش اقتصادي حاد على هذه الدرجة. إن سقوط الإنتاج والحذف الكثير من الخدمات والإفراط الهائل في الطاقة الأنتاجية وإغلاق العديد من الشركات ، والتحولات والتغيرات الكبيرة في الإنتاج والتوزيع ، فكل هذه المشاكل تؤدي إلى عدم فعالية الاقتصاد ، ما يتسبب عادة في سقوط الإنتاجية خلال فترات الركود. فهذه الزيادة في الإنتاجية خلال الفترة الحالية من الركود لم يمكن القيام بها إلا بفرضها على العاملين من خلال هجوم لا هوادة فيه.

تخفيض الأجور وتخفيض المعاشات التقاعدية وتمزيق التغطية الطبية

مع التهديد على التسريحات الجماعية المعلقة فوق رؤوس العمال توصل أصحاب العمل إلى تخفيض الأجور بذاتها. ما يقارب نصف 245 من أكبر أرباب العمل جمدوا الأجور أو خفضوها. بعض الشركات الكبيرة ، بما فيها فيديكس وهيوليت باكارد وموتورولا وأي سي ال تراكينغ وجريدتا "نيويورك تايمز" و"بوسطن غلوب" ، فرضت لموظفيها تخفيضات عامة في الأجور.

كما قام أصحاب العمل بتخفيض في الأجور بطرق أقل وضوحا ، وذلك بواسطة إزالة دفع أيام العطلة الرسمية والحد من الإجازات والحد من أوقات الاستراحة وتغيير قواعد دفع الساعات الإضافية والعلاوات وإزالة تأشير الأجور على الأسعار. كما فرض أصحاب عمل آخرون ، في شركة ديل كمبيوتر ونوادي القمار في ولاية نيفادا وشركة سيارات هوندا وشركة سيسكو سيستمز ، وجريدة "سياتل تايمز" ، فرضوا للعمال أيام عمل معطلة غير مدفوعة الأجور ، طوعا أو كرها .

وفرض أيام الإجازة غير المدفوعة الأجور هذه ليس شيئا جديدا على المستوى الحكومي. فولاية ميشيغن قد وضعتها منذ عدة سنوات. ولكن في الأشهر الأخيرة ، عدد كبير من الوكالات الحكومية ، من بينها وفي المرتبة الأولى ولاية كاليفورنيا وهي أوسع ولاية في البلاد. كما فرض مثل أيام الإجازة هذه على موظفيها عدد من المقاطعات هي أيضا ، من مقاطعة فنتورا في جنوب ولاية كاليفورنيا إلى مقاطعة ناسو الواقعة في جزيرة لونغ آيلاند في ولاية نيويورك . والمستخدمون الحكوميون قد خفضوا دفع أيام العطلة أيضا وكذلك خفضوا عدد أيام العطلة وفترات الاستراحة ، الخ.

ما زالت أجور العمال الأميركيين في الانخفاض على مدى العقود الأخيرة. فتم خفض معدل الأجر للساعة الواحدة للعاملين في القطاع الخاص إلى قيمة 8،27 دولارات (6،36 يورو) في عام 2008 ، إذا قسناه بقيمة دولار سنة 1982، ما يمثل نسبة 9 بالمائة دون الذروة التي تم التوصل إليها في عام 1973 ، أي قبل 35 عاما . وبواسطة الحد من الزيادات في الأجور، يترك أصحاب العمل المجال للتضخم ليأكل القدرة الشرائية للعمال شيئا فشيئا.

وكذلك هاجم أصحاب العمل على المعاشات التقاعدية ، في حين أن غالبية العاملين ، أي 57 بالمائة منهم ،لم يكن لهم أي خطة للتقاعد في عام 2006 ، أي قبل صدمة الأزمة .

وفي العام الماضي فقد أربعة ملايين عامل - ما يمثل متوسط أربعة عشر ألف عامل يوميا - التأمين الطبي الذي كانت تعرضه لهم حتى الآن الشركات التي تستخدهم ، وذلك نتيجة لفقدان وظائفهم في معظم الأحيان. ومعظم الذين وجدوا عملا من جديد لم يجدوا في الوقت نفسه تأمينا صحيا جديدا ، أو في أحسن الأحوال وجدوا تأمينا من الدرجة الثانية فقط.

وبالفعل ، قبل الأزمة ، كان النظام الصحي في حالة مأساوية. فالولايات المتحدة هي البلاد الوحيدة في العالم الصناعي حيث التغطية الطبية متروكة لمبادرة صاحب العمل. وفي عام 2007 لم تكن أي تغطية طبية لحوالي خمسين مليون شخص ، أي موظف واحد على خمسة موظفين. وعند أصحاب العمل رغبة واضحة في عدم إدراج التأمين الطبي في نظم التقاعد. لقد تخلصت منها شركات صناعة السيارات فيما يخص موظفيها المكتبيين المتقاعدين. كما تنوي إدارات الولايات والمدن اتخاذ تدابير مماثلة والبعض منها لقد فرضتها على الموظفين الجدد.

وبالطبع ، تعود حجة كل هذه التخفيضات في التغطية الصحية وزيادة الحصة التي يدفعها الموظفون من أجلها إلى ما يقال له "الارتفاع الهائل للنفقات الطبية" ...

تفكيك ما يبقى من الحماية الاجتماعية

من الصعب للعامل الذي فقد وظيفته ألا يقع في الفقر. ما يقارب من ثلثي الذين يعتبرون عاطلين عن العمل رسميا ، لا يحق لهم الحصول على أي إعانة البطالة، ما يمثل أسوأ الأرقام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعلى مر السنين خفض السياسيون استحقاقات البطالة في حين أن الولايات تخفض مساهمات أصحاب العمل في تمويل التأمين ضد البطالة.

فماذا يحدث لهؤلاء الذين استنفدوا حقوقهم؟ للنساء والأطفال هنالك الإعانة للمحرومين ("ويلفير"). ولكن بيد أن نسبة البطالة تصل إلى أرقام قياسية ، بقي عدد المستفيدين من الإعانة للمحرومين على حاله. بل بالعكس ، قد خفضت 18 ولاية عدد المستفيدين منها في عام 2008.

إن هذه التخفيضات هي النتيجة المباشرة لإصلاح نظام الإعانة للأشخاص الأكثر حرمانا الذي تم إنشاؤه تحت ادارة الرئيس بيل كلينتون في عام 1996. إن هذا الإصلاح حول نظاما كان عبارة عن حق للمستفيدين منه ، وذلك منذ الأزمة الاقتصادية العظمى من الثلاثينات ، إلى نظام جديد لا يستجيب إلا لحالات يقال لها "حالات طوارئ" ، لا يمكن أن تتجاوز مدة الاستفادة منه الخمس سنوات فقط أثناء حياة المستفيد منه. وعلى مر السنين ، أكثر من ثلاثة أرباع النساء والأطفال الذين استفادوا منه أخرجوا من هذا النظام. أما التأمين الصحي للناس الأكثر فقرا (ميديكايد)، ومن بينهم موظفون لهم عمل، فتقل الاستفادة منه أكثر فأكثر.

وأن يستفيد في أيامنا هذه 35 مليون شخص - ما يمثل أكثر من ضعف ما كان عليه في عام 2000 - من قسائم الغذاء ، هذا يكفي أن يبين أن الفقر يتفاقم تفاقما سريعا في الولايات المتحدة.

خفض العجز من خلال المهاجمة على المعاشات التقاعدية للعمال المسنين وصحتهم

في أواخر شباط / فبراير ، قد اقترح الرئيس اوباما أن لجنة تضع خطة للحد من "عجز" الدولة ، وذلك قبل كل شيء من خلال ... المهاجمة على النظام الفيدرالي للتقاعدات (الضمان الاجتماعي) وعلى برنامج الرعاية الطبية (ميديكير) وهو التأمين ضد المرض للمسنين والمعوقين ، في حين أن نظام المعاشات هو المؤسسة الحكومية الفيدرالية الوحيدة التي تولد الأرباح في كل سنة ، ومن المتوقع أن تواصل القيام بذلك في السنوات المقبلة.

إن ميزانية نظام المعاشات تمثل وجود كميات هائلة من المال لم تزل تنجو من أعمال النهب حتى الآن. ومن الواضح أن الحكومة الحالية تنوي سحب ما تحتاج إليه من المال قصد تخفيض العجز في ميزانيتها ، وذلك على نطاق أوسع بكثير مما قامت به الحكومات السابقة. إلا أن هذه المعاشات لا تمثل إلا المصدر الوحيد من الدخل لغالبية المسنين. ومن ثم ليس من المستغرب أن عددا متزايدا من المسنين يبحثون اليوم عن وظيفة جديدة.

وكذلك الارتفاع المتزايد الذي عرفته تكاليف الرعاية الطبية قد قلل من قيمة الخدمات الطبية التي يمولها نظام الرعاية الطبية. وفي عام 2006 ، كانت النفقات الصحية على حساب المريض تمثل نسبة 14،1 بالمائة من مجموع نفقات العائلات المستفيدة من الرعاية الطبية ، مما يجعل هذه النفقات على المرتبة الثانية في ميزانيتها بعد الإيجار. فتخصص عائلة واحدة من أربع عائلات تستفيد من برنامج الرعاية الطبية أكثر من ربع إيراداتها للنفقات الصحية .

المحرومون من السكن في القرن الحادي والعشرين

تقدر الحكومة أن عدد الاشخاص المحرومين من السكن يقارب المليون ( 842 ألفا ). فقرى الخيام تنمو بسرعة على هامش المدن وفي الأحياء الفقيرة. وفي بعض المدن التي تعرف هذه الظاهرة بصفة خاصة ، مثل مدينة ديترويت ، عدد المحرومين من السكن يتراوح ما بين 1 و 2 بالمائة من عدد السكان. وغالبا ما يحتل هؤلاء المحرومون من السكن العمارات التي أصبحت شاغرة بسبب الأزمة في القطاع العقاري.

أما ملايين آخرون منهم فيزدحمون في شقق أو في منازل تمت إعادة ترتيبها لتستقبل ضعف عدد ساكنيها أو كذلك في المرائب ( وهذه الممارسة محظورة بموجب القانون). وعدد لا يحصى من الناس يعيشون في سيارات تخييم وغيرها من العربات الواقفة في أماكن لوقوف السيارات ملاصقة لمنزل أفراد العائلة أو الأصدقاء ، أو واقفة في الشارع مع تغيير مكان الوقوف من وقت إلى آخر بانتظام.

وتزدحم عائلات بأكملها ، صغارا وكبارا ، أمام مطابخ الحساء أو مطاعم اجتماعية متنقلة أخرى ، بحثا عن الطعام ، وأحيانا لا يمكن لهذه المطابخ الاجتماعية توزيع وجبات الطعام إلا لمدة أسبوع واحد في الشهر.

إن الرسماليين قصد الحفاظ على أرباحهم ، قرروا أن يجعلوا المجتمع هو يدفع ثمن الأزمة ، وذلك عبر إلغاء الوظائف وعبر تخفيض الأجور والاستحقاقات الاجتماعية وعبر تصفية ما يبقى من الحماية الاجتماعية ، تصفية يطلبون القيام بها من السياسيين، وعبر طرد عدد متزايد من العائلات من منازلهم. فهذه السياسة ليست فقط مصدر الفقر والبؤس، فهي أيضا تقوي الحلقة المفرغة الكامنة في النظام الاقتصادي، بما أن الرسماليين الذين يريدون الحفاظ على أرباحهم تجاه تقلص الطلب ، يلغون وظائف أخرى ويخفضون الأجور من جديد . وينطبق الشيء نفسه على حبس الرهن : إن هذه الظاهرة تتغذى على نفسها.

وبالأمس ، إن التعطش الدائم إلى المزيد من الأرباح أدى إلى خلق فقاعات مضاربة انفجرت في نهاية الأمر وأدت إلى ورود أزمة عامة. واليوم ، هذا السباق الجنوني وراء كسب الأرباح يجعل الأزمة تندلع اندلاع الطاعون ولا تزال تتفاقم.

إن السياسيين وقادة الشركات الكبرى الذين يؤكدون أنهم لا يريدون إلا مصلحة العاملين ، وأنه إذا طلبوا منهم تقديم التضحيات للمدى القصير ، فإن هذا الطلب يكون قصد تخلص النظام من الأزمة ، على حد قولهم.

فهؤلاء يكذبون بوقاحة . فلا يبقى للطبقة العاملة إلا أن تستعد للمقاومة . هذا لها مسألة بقاء.