لإعادة زرع الأفكار الأممية - 2015

Drucken
ترجمة

* * * * * * * * *

مقتطفات من خطاب ناتالي أرتو، الاحتفال السنوي لحزب النضال العمالي بتاريخ 25 مايو 2015:

(...) إن تطور الرأسمالية نفسها وعولمتها المتزايدة يؤديان إلى تفاقم التخالط المترتب عنهما بين أفراد البروليتاريا والذي يجري اليوم على نطاق أكبر مما كان عليه وقت ماركس والأممية الأولى.

فهنا في فرنسا كما في الولايات المتحدة وإنجلترا وفي معظم البلدان الصناعية، تتشكل البروليتاريا اليوم من رجال ونساء من جميع القارات. آلاف النساء والرجال المطرودون من مواطنهم الأصلية بسبب الفقر والجوع أو بسبب الحروب والأنظمة القمعية.

إن هؤلاء النساء والرجال الذين يحاولون، بجهود يائسة وغالبا ما تكون مميتة، الوصول إلى البلدان الأكثر تقدما بأمل العثور على عمل، يجسدون باستمرار هذه المقولة من البيان الشيوعي : "ليس للبروليتاريين وطن".

(...) فالرأسمالية نفسها، وما تولد من ظلم وقهر باستمرار، هي التي تجعل العمال من دون الموطن حيث ليس بإمكانهم اتخاذ موطن إلا في المكان الذي يعثورون فيه على عمل.

نعم، فعندما كتب ماركس "ليس للبروليتاريين وطن"، كان ذلك استنتاجا للواقع حينها. وهذا الأمر لا يزال واقعا لعددأكبر بكثير من الفقراء والمضطهدين، المجبرين على الانتقال من بلد إلى آخر للعثور على مقومات البقاء على قيد الحياة.

المرء لا يمكن إلا أن يصاب بالصدمة أمام مشهد النساء والأطفال والرجال الذين يغرقون في البحر المتوسط في محاولة للفرار من بلدهم، وكذلك أمام هؤلاء التجار في تهريب البشر الذين يجنون الأرباح مستفيدين من حالة اليأس. ولكن ما هو مقزز بشكل غير محدود هو هذا التنظيم الاجتماعي الذي أدى إلى هذا الواقع رغم امتلائه بالثروات المحتكرة من قبل أقلية مميزة.

والحكام يمكنهم الاستمرار بتشييد الجدران وبناء الأسوار وزيادة الدوريات في عرض البحر وفي البر، وجعل أوروبا حصنا، لكنهم لن يتمكنوا من إيقاف موجات الهجرة.

ولكن، هل البرجوازية تريد حقا إيقاف الهجرة ؟ فهؤلاء المهاجرون غير الشرعيون يوفرون لها عمالة رخيصة معدومة الحقوق كما كان حال البروليتاريا في بداية الرأسمالية. وهكذا تكتمل الدائرة: الهيمنة الإمبريالية، بافقارها البلدان النامية، تجبر القوى المنتجة فيها على الهجرة ليتم استغلالها في القلاع الإمبريالية.

رغم بشاعة هذا الواقع الذي يغذي العبودية الحديثة، عبودية العمل المأجور، يبقى أن النظام الرأسمالي هو صدد صنع بروليتاريا اليوم و البروليتاريا المستقبلية.

وجميع الذين يقدمون هذه الهجرة وهذا الاختلاط بين الأفراد والشعوب باعتباره خطرا على العمال هنا، هم أسوأ أعدائنا.

فالمشكلة بالتأكيد ليست ببروليتاريي المستقبل هؤلاء، ولكن بعدم وجود حركة عمالية حية قادرة على استيعاب القادمين الجدد وإشراكهم في الكفاح اليومي.

المشكلة هي بعدم وجود أحزاب شيوعية ثورية، وبعدم وجود أممية ثورية، تقوم بدمجهم في نضال الطبقة العاملة من أجل إسقاط سلطة البرجوازية!

فجميع من دفعتهم الحروب والقهر والفقر لترك بلادهم، وإن كانوا مزارعين أو من البرجوازية الصغيرة، فإن تمكنوا من الدخول إلى داخل القلاع الإمبريالية، فإنهم في معظمهم سوف يتحولون إلى بروليتاريين، أي إخواننا في قتالنا المستقبلي. إخواننا الذين سوف يتوجب علينا القيام معهم بالنضال للدفاع عن أنفسنا ضد الاستغلال، ومعهم، آمل أننا سوف نتغلب على البرجوازية لوضع حد لدكتاتورية رأس المال الكبير والاستغلال.

همجية الجهاديين وهمجية الإمبريالية

لا أحد يستطيع أن يبقى غير مبال أمام الهجمات الإرهابية وقطع الرؤوس وخطف واستعباد النساء، وكذلك أمام أعمال التصفية العرقية والدينية التي ترتكبتها العصابات المسلحة من نوع داعش وبوكو حرام. ولكن وحشية هذه العصابات المسلحة التي تستغل التحلل الذي يصيب دول عديدة في أفريقيا والشرق الأوسط بهدف فرض ديكتاتوريتها على الشعوب، لا تجعل من القوى الامبريالية وجيوشها مدافعين عن المظلومين. (...)

فكما تنظيم القاعدة، ليست الميليشيات في ليبيا وعصابات داعش الجهادية التي تقوم بترويع جزء من الشرق الأوسط إلا الثمار المباشرة أو غير المباشرة للسياسة الإمبريالية، ونتيجة للإحباط والشعور بالظلم والنقمة بوجه هيمنة الدول الغنية.

الواقع أن همجية الإرهابيين والهمجية التي تفرضها سياسة الهيمنة الاقتصادية والعسكرية للبرجوازية الإمبريالية هما طرفان من نفس العصا. يتغذى كل واحد من الآخر، وبذلك فإن محاربة الواحد يتوجب محاربة الآخر أيضا.

(...) إن القوات الفرنسية تقود اليوم حربا في مالي وفي وسط أفريقيا وتشارك في قصف العراق. فهي تحاول الحفاظ على مواقعها

لتسهيل التدخل في البلدان الأفريقية الأخرى حيث يوجد لها قواعد عسكرية.

(...) بالتأكيد، ليس للعمال مأرب في دعم السياسة الحربية للحكومة. ولا يجب أن يفرحوا لبيع أسلحة الدمار والموت للدكتاتوريين الذين سوف يستخدمونها ضد شعوبهم.

كما لا يجب على العمال الانضمام إلى مظاهرات الإجماع الوطني حتى ولو كان شعارها مكافحة الإرهاب. فمهما كانت الحجة المستعملة من قبل السياسيين للدعوة إلى الوحدة الوطنية، فالهدف منها دائما هو اصطفاف الطبقة العاملة وراء البرجوازية الكبيرة.

الطبقة العاملة ليست اليوم في وضع تستطيع فيه منع حروب القرصنة التي يدعي قادة دولها القيام بها تحت اسمها. لكن مصالحها السياسية هي بشجب هذه الحروب ورفضها. فمستغلونا لا يصبحوا أصدقائنا عندما يقومون بإرسال قوات لمتابعة نهب مستعمراتهم السابقة.

لذلك نقول: فلتنتهي التدخلات الفرنسية ولتخرج القوات الفرنسية من أفريقيا!

الرأسمالية هي الحرب ...

لكن بعدعقود من التصارع بين كتلتي الاتحاد السوفياتي والعالم الرأسمالي، لا تشكل مكافحة الإرهاب العنوان الوحيد للصراعات العالمية منذ تفكك الكتلة السوفياتية السابقة. فاختفاء الديمقراطيات الشعبية السابقة لم تنجح، حتى في أوروبا، في إحلاء السلام.

الواقع أن دول الكتلة السوفياتية السابقة قد قامت فقط بفتح ساحة إضافية لمناورات القوى الإمبريالية الكبرى في تنافسها فيما بينها حينا، وبالاتفاق مع بعضها البعض أحيانا.

ولعل البرهنة الدموية لهذا الأمر نجدها في الحرب الجارية في أوكرانيا. ذلك أن وراء المواجهة بين روسيا وأوكرانيا عبر عصابات من البلطجية ووسطاء لكل منهما، هناك في الحقيقة مناورات سياسية بين القوى الامبريالية الغربية. (...)

إن كلا الجانبين المتناحرين في أوكرانيا هما، على حد سواء، أعداء الطبقات المستغلة. وإنهم يبرهنون عن ذلك بطريقة دموية.

ولكن المأساة هي أن البروليتاريا في أوكرانيا ليس لديها القوة لفرض سياستها الخاصة بوجه النخب البيروقراطية الروسية المحلية وبوجه القوى الامبريالية. (...)

وعلى بعد بضع مئات من الكيلومترات من أوكرانيا، تقدم اليونان اليوم دليلا على أن التكامل الأوروبي ليس بأي حال من الأحوال عبارة عن ارتباط متساو بين الشعوب. فالعضوية في الاتحاد الأوروبي لا تلغي علاقات التبعية بين الجزء الشرقي الفقير من أوروبا والدول الإمبريالية في القسم الغربية منها.

وحكومة تسيبراس التي جاءت الى السلطة قبل بضعة أشهر وفقا لارادة الناخبين السائمين من سياسة التقشف، تتعرض للضغط إلى حد الاختناق من قبل المؤسسات البرجوازية الإمبريالية.

وذلك مع أن برنامج سيريزا ليس ثوريا. فهو قد وعد بقليل من التحسين لحياة السكان الاكثر فقرا: زيادة الحد الأدنى للأجور ومنع عدد من عمليات الفصل للعمال الناتجة عن سياسة التقشف نفسها أو عن الخصخصة.

كان طموحه قبل كل شيء رفض اعتبار اليونان كشبه مستعمرة للبنوك الغربية التي كبلتها بالديون، ولممثليهم السياسيين.

حتى هذا الطموح المتواضع غير مقبول من قبل القوى الامبريالية المهيمنة على أوروبا. لأن المؤسسات العالمية التابعة للبرجوازية، بدأ من صندوق النقد الدولي إلى البنك المركزي الأوروبي، لا توافق أبدا على عدم قيام الطبقات المستغلة بدفع ثمن الازمة رغم أنه ليس للمستغلين أية مسؤولية عن حدوثها. (...)

حذار، حذار

على البرجوازية أن تشعر بالقلق على الرغم من كل هذا! فالمستغلون اليونانيون يقومون الآن باختبار حدود فعالية المسار الانتخابي، وهم يعانون الآن من هذه التجربة، ولربما غدا سوف يصابون بخيبة الأمل. فإن ما يحدث في اليونان يبرهن على أن حتى انتخاب حكومة مستعدة للدفاع عن قضاية العمال ليس باستطاعتها فعل إي شيء لمساعدتهم ضمن هذا النظام. حسنا، هكذا تقوم، في نهاية المطاف، الطبقات الثرية باقناع المستغلين بأنه لا توجد وسيلة أخرى لهم للخلاص غير تحطيم النظام. (...)

بذلك، ما أود قوله لجميع النشطاء الذين يشاركون وجهة نظرنا هو بأن لا تفقدوا، في هذه الفترة من الرجعية، الثقة في أفكاركم، ولا تفقدوا الثقة في الطبقة العاملة وفي قدرتها على إسقاط سلطة البرجوازية.

ما أود قوله هو بألا تفقدوا بوصلتكم السياسية، أي المنظور الثوري، بحثا عن بعض النجاح السياسي على المدى القصير. (...) إن الأفكار الشيوعية الثورية سوف تبقى أقلية حتى اليوم الذي تقوم فيه الجماهير العريضة باكتنافها.

إذا، لا بد من الجسارة والمثابرة لكسب العمال والشباب إلى الأفكار الشيوعية الثورية. ليحل جيل جديد من شأنه أن يحقق أخيرا النصر للنضال الذي يقوم به العمال منذ عهود بهدف الإطاحة بالنظام الرأسمالي الظالم والكهل والمتعفن. هذا هو السبيل الوحيد لاخراج المجتمع من المأزق الحالي وفتح المجال أمام الإنسانية للقيام بانطلاقة جديدة.