اليونان: كيف يمكن لنجاح سيريزا أن يؤدي إلى انفراج للعمال؟ - 2015

Print
ترجمة

من اسبوعية النضال العمالي، لسان حال الاتحاد الشيوعي الاممي - فرنسا.

العدد 2427 في 6 فبراير 2015.

*********

لا يوجد لبس في معنى تصويت الناخبين اليونانيين. إنه تصويت ضد التقشف، وذلك بالرغم من ضغوط الممولين الرئيسيين لليونان الممثلين في الترويكا - صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية - وعلى الرغم من ابتزاز كل من أولئك الذين تنبؤا بكارثة مالية في حال فوز سيريزا. 

لكنه من الصعب تحديد ما يوجد وراء هذا التصويت، أي إلى مدى يشكل هذا التصويت انعكاسا لجهوزية العمال للكفاح. فإنه يمكن أن يكون مجرد تعبير عن رفض انتخابي بحت للأحزاب التي نفذت التقشف. كما يمكن أن يعكس أوهاما انتخابية بأنه في سبيل تغيير سياسة السلطة، نحاول تغيير فريق السلطة. وبالتالي يمكن لهذا التصويت أن يبقى مجرد لفتة انتخابات بسيطة دون أن يعي الناخبون بمذا يلزمهم هكذا تصويت. ولكن حتى لو كان هذا التصويت لفتة انتخابية فقط، إلا أن هذه اللفتة تبلورت حول سيريزا، وليس على حزب الفجر الذهبي، حزب النازيين الجدد، مما يدل على أنه تصويت واع إلى حد كبير.

لكن نتيجة الانتخابات قد تكون أيضا انعكاسا لرفض الشعب للاستسلام. فقد أظهر العمال اليونانيون في السنوات الأخيرة قدرة كفاحية عالية، باحتجاجاتهم ضد الصرف التعسفي وبمشاركة عشرات الآلاف منهم في الإضرابات العامة.

إنه لمن الصعب، من مسافة بعيدة، تقدير الحالة الذهنية والتصميم لدى الطبقات العاملة في اليونان. ولكن درجة التصميم والارادة الكفاحية لدى العمال هما المسألتين الحاسمتين في المستقبل.

المواجهة بين تسيبراس والقادة الأوروبيين

الانظار تتركز على المواجهة الذي بدأتها حكومة تسيبراس مع المؤسسات الدولية للبرجوازية. فالتحدي بالنسبة له هو بالتمكن من تخفيف من حدة الدين الذي يكبله. والتحدي للبرجوازية الدولية، الممثلة بمؤسسات مختلفة مثل صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والدول الأوروبية، هو بأن لا يتم إعادة النظر بالدين العام ولا سيما بحق الأسواق المالية بسحب الاموال على شكل فائدة الدين من الدولة اليونانية، أي من الطبقات المستغلة في آخر المنوال. فدفع الدين كان دائما قانونا مقدسا بالنسبة للبرجوازية. وفي هذه الفترة من الأزمة الاقتصلدية وتنامي المنحى المالي للاقتصاد، تعتمد البرجوازية في أكثر من أي وقت مضى على الثروة المالية المتمثلة بالديون السيادية.

ولكن لدى الطرفين قاسم مشترك، وهو الخشية من المواجهة العنيفة فيما بينهما. منها خوفا من رد الفعل الشعبي الذي يمكن أن يتنج من هكذا مواجهة، وقبل ذلك، وبالغالب، خوفا من أن تؤدي المواجهة إلى مضاربة جديدة في الاسواق المالية على الديون اليونانية ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة مالية أوروبية وانهيار اليورو.

إن أبطال هذه المواجهة يفضلون إيجاد أرضية مشتركة. فالمجتمع المالي يمكن أن يكون مستعدا في النهاية لإعادة التفاوض على الديون اليونانية، شريطة أن تبقى مصالحهم المالية محفوظة. ذلك ليس بمستحيل. فإن أي دائن يعلم بأن مستدينا على قيد الحياة هو مربح أكثر من مستدين ميت. لكن الأفضل أن لا يبدو ذلك رضوخا لضغط الرأي العام، كما يتوجب أن يصل جميع الافرقاء إلى اتفاق. إذ أن الاختلاف في اللهجة بين باريس وبرلين يبشر بأن الأمر ليس بهذه البساطة.

فإن كان من مصلحة تسيبراس من جهة، والسياسيين على رأس المؤسسات البرجوازية الأوروبية من جهة أخرى، التوصل إلى حل وسط، لكن لا شيء يؤكد بأنهم سوف يتوصلون لذلك.

وإنه لأمر واهن وغير مجدي القيام بتحليل التنازلات المحتملة لوزراء سيريزا ، ومحاولة التنبؤ بما سيفعلون أو لا. فإنهم ليسوا ثوريين، وهم لا يخفون ذلك. فعلى حد قول تسيبراس وجميع وزرائه، فإنهم يفكرون مثل أي حاكم "مسؤول" أمام البرجوازية. وإذ بوزير المالية اليوناني فاروفاكيس يؤكد:"إن الحكومة اليونانية لن تقوم بإجراءات أحادية الجانب". يهدف عدم إخافة الأسواق المالية. كما يقسم القادة اليونانيون، كقادة الدول الاخرى، برغبتهم تحقيق التوازن في الميزانية. وأبعد من ذلك بكثير، فإنهم يحترمون الملكية الخاصة. فلا أحد منهم يريد أن يتحدى قوانين الرأسمالية.

وإنها لمضيعة للوقت الرهان على تصميم تسيبراس أو عدم تصميمه، أي بالنسبة لإحتمال تخاذله وعدوله عن التزاماته. إذ لا يمكننا أن نعرف مقدما ما إذا كان تسيبراس من طينة هولاند أو من طينة شافيز، وكيف سوف يتعامل مع سلسلة التطورات التي قد تحصل. الزمن سوف يحدد ذلك. لكن المسألة الاساسية ليست هنا.

المواجهة هي بين العمال والبرجوازية

لا يعد تسيبراس فقط بإعادة التفاوض حول الدين، بل أعلن أيضا تدابير ملموسة للعمال: زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات الصغيرة وإعادة توظيف الآلاف من الموظفين الحكوميين وغيرها من الالتزامات. لو أراد العمال أن يتم العمل بهذه التدابير، وهي تؤثر مباشرة على حياتهم، فالمسألة تعتمد عليهم بالأساس.

لهذا السبب يجب علينا أن لا نركز على لعبة البوكر الخادعة التي تجري في مكاتب ممثلي البرجوازية وأن لا نجعل مصير العمال اليونانيين مناطا بقوة وتصميم الحكومة. فمن صالح العمال أن يدخلوا في صراع بوزنهم، واضعين مطالبهم الخاصة في أفق تحركهم.

فلو افترضنا، على سبيل المثال، بأن الحكومة اليونانية تمكنت من إعادة التفاوض حول الدين، فما هي الضمانة بأنه سوف يتم تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور؟

فهذه الزيادة المعلنة من الممكن أن تضيع في العرقلات البرلمانية. كما يمكن وبالأخص أن تتبخر بسبب مقاومة البرجوازية اليونانية. فمرسوم حكومي لن يكفي لإجبار كبار أرباب العمل اليونانيين على احترام الحد الأدنى للأجور، وهم الذين اعتادوا على إدارة الاقتصاد كالاسياد، وعلى التشغيل غير الشرعي للعمال. فبالنسبة للبرجوازية الجشعة في بلد فقير كما بالنسبة إلى أسيادها من رأسماليي الدول الغنية، إن مسألة الأجور المنخفضة هي قضية أولوية. فإن مجرد الإعلان عن هذه الزيادة لا يمكن إلا أن يثير عدائيتهم.

هذا وقد وعدت الحكومة اليونانية بملء خزائن الدولة من خلال فرض ضرائب على الكنيسة الأرثوذكسية وكبار الاثرياء اليونانيين. إنها لحقيقة أن لا يمكن أن يحقق أي شيء جدي في اليونان دون المس بالثروات الضخمة التي راكمها هؤلاء الناس والكنيسة، والأخيرة هي المالك الأكبر للأراضي في البلاد. ولنراهن على أن الكهنة سوف يكونوا أكثر حساسية لمسألة دفع الضرائب من رفض تسيبراس إعلان القسم على الكتاب المقدس!

كما أن للطبقة الأكثر ثراء في اليونان القدرة على الضغط إيضا. فمن الملاحظ أن حزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني والذي يناسب البرجوازية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة أحيانا، قد تمكن من الحفاظ على مستوى نتائجه الانتخابية. وعلاوة على ذلك فإن لهؤلاء العديد من العلاقات في جهاز الدولة تتيح لها ما يلزم لوضع العصي في عجلة الحكومة الجديدة.

فهل قيام تسيبراس بالتحالف مع الحزب اليميني السيادي يندرج في محاولته لارضاء هذه الطبقات؟ فحزب "اليونان المستقلة" هذا كان قد شارك في السلطة مسبقا. وزعيمه، الوزير السابق في حكومة كارمنليس، قد قام شخصيا بخصخصة محطة ميناء بيرايوس في عام 2008. وعلاقاته مع عالم رجال الأعمال مميزة. واليوم يشغل وزارة الدفاع. فبرنامجه السيادي ذي النزعات العنصرية المعادية "للبوذيين واليهود والمهاجرين الذين لا يدفعون الضرائب،" والذي يتكلم عن "خطر فقدان الكنيسة الأرثوذكسية لأديرتها" فهو برنامج موجه إلى القسم الأكثر رجعية في المجتمع، وعلى وجه الخصوص الجيش.

لكن الأعتقاد بأنه يمكن استرضاء أعداء من هذا النوع عير وضع أحدهم في وزارة الدفاع هو وهم. فقد كان هذا منطق الليندي في تشيلي في عام 1970 حين قام بتعيين بينوشيه على رأس الجيش، معتقدا أنه بذلك سوف يتم ترويضه. لكن بعد ثلاث سنوات من تعيينه، قام بينوشيه بانقلاب ليضع البلد تحت دكتاتورية عسكرية.

إن الضمانة الوحيدة للعمال بأن يتم تنفيذ الوعود التي قدمت لهم هي في قدرتهم على حراك والتنظيم.

ضرورة حراك العمال

إن خطورة الوضع تكمن في بقاء الطبقة العاملة مكتوفة الايدي أمام المواجهة التي تدور بين تسيبراس والقادة الاوروبيين. فمن دون تدخل من الجماهير وضغوط شعبية من شأنها لوي اذرع البرجوازية الدولية والأنرياء الكبار اليونانيين، تبقى التدابير المناسبة لمصلحة الطبقة العاملة مهددة بالزوال.

والطبقة العاملة اليونانية تحوي في طياتها قدرة نضالية كبيرة. فالناس الذين كانوا يكافحون مؤخرا ضد خصخصة المياه في سالونيك، والخادمات في وزارة الاقتصاد اللواتي ناضلن ضد فصلهم، وعشرات الآلاف من الرجال والنساء الذين شاركوا في كل من أيام الإضرابات العامة، كما النشطاء العماليون الذين قاتلوا بضراوة ضد الفصل، كلهم يمكنهم أن يشكلوا عناصر دفع في سبيل فرض التدابير الموعودة.

فما وراء المواجهة بين تسيبراس والاتحاد الأوروبي، تستعد البرجوازية اليونانية والدولية للمواجهة العنيفة. وعلى العمال كذلك الكفاح في سبيل انتزاع ما يتوقون إليه من تحسين في ظروف معيشتهم. ذلك يعتمد على درجة الوعي ودرجة التنظيم لديهم.

بحسب تسيبراس، إن الحكومة "مستعدة لبذل الغالي والفيس" فس سبيل "استعادة كرامة اليونانيين". ولكن الشعب اليوناني لا يحتاج إلى تضحية وزرائه، بل أنه يحتاج الى سياسة تتيح له فرض مطالبه.