الوضع العالمي في نهاية العام 2013

چاپ
ترجمة

مقتطفات من النص الذي اعتمد في المؤتمر السنوي لحزب النضال العمالي

صدر مجلة النضال الطبقي رقم 156 والصادرة في ديسمبر 2013

تم كتابة النص في 4 نوفمبر 2013

التوازن الدولي للقوى

إن الأزمة الاقتصادية تؤثر بدرجات متفاوتة بالوضع الداخلي في جميع البلدان، ولكن أيضا بالعلاقات الدولية. يبدو هذا واضحا بالنسبة للعلاقات بين الدول الأوروبية في إطار الاتحاد الأوروبي أو حتى في الإطار الضيق لمنطقة اليورو التي تهتز بشكل دوري مع اهتزازات سوق المضاربة على ديون السيادية للدول التي تشكلها. وفي الواقع، فإن مجموع العلاقات الدولية تتأثر بتطور الأزمة وارتجاجاتها.

وعلى المدى الطويل، ترافق الركود الطويل للاقتصاد الرأسمالي العالمي مع تطور العديد من السياسات التي، على تنوعها، تتسم بالرجعية. ذلك بالتوازي مع أفول وحتى انعدام الحركة العمالية الواعية كاتجاه سياسي بديل للرأسمالية المتهاوية. وما للأزمة الاقتصادية ألا أن تفاقم هذه التوجهات.

شكل انهيار الاتحاد السوفياتي ضربة قاتلة للتيار الستاليني بعد أن قام بلعب دور حاسم في تصفية التقاليد الثورية للبروليتاريا العالمية. فهذا التيار الشيوعي العالمي الذي أولدته الثورة البروليتارية في عام 1917، تحول إلى نقيضه من انحطاط الدولة السوفياتية، فكانت الستالينية سببا رئيسيا بعدم تمكن البروليتاريا من اغتنام الفرص الثورية العديدة التي تسنت له. فتركت الستالينية الساحة لصالح قوى رجعية بنحو متزايد.

وحتى القومية التقدمية في البلدان الفقيرة، المرتبطة إلى حد كبير بالستالينية التي أثرت بالعديد من نضالات الشعوب المضطهدة ضد السيطرة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية، بدأت أيضا بالتراجع في هذه البلدان لصالح قوى أكثر رجعية. وعلى الرغم من أن أحزاب السلطة في الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا لا تزال تستخدم أشارة الشيوعية في تسميتها، إلا أنها لم تعد تمثل نفس قوة الجذب في أعين الشعوب المضطهدة في الماضي.

وشكل مجيء الخامنئي إلى السلطة في إيران في عام 1979 علامة فارقة في هذا التطور. فمن المحيط إلى الخليج، بدأ الإسلام السياسي، ونجح إلى حد ما، بأخذ مكان تيارات العالم الثالث عبر توظيف مسألة البؤس الهائل لمصلحته وكذلك الإحساس بالقمع لدى أفقر طبقات المجتمع. فأصبحت هذه الطبقات تفتقر للآفاق التي كانت الشيوعية تشكلها بعد بعد الثورة الروسية، كما لتلك التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية مع التيارات القومية للبرجوازية الصغيرة التي أخذت زمام المبادرة في الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية.

هذان المنحيان، منحى أزمة الاقتصاد الرأسمالي ومنحى الأزمة في المجالين السياسي والاجتماعي، يتفاعلان باستمرار. فإن كانت الأزمة الاقتصادية تتبع آليات اللاقتصاد الرأسمالي، يعطي انعدام الأفق الشيوعي الثوري لدى الشعوب للبرجوازية مجالا واسعا لسياساتها، كما أن عدم وجود أفق آخر للمجتمع غير ديمومة الرأسمالية والهيمنة الإمبريالية على العالم، يؤدي بدوره إلى تعميق ضياع الجماهير المضطهدة.

ففي أغنى البلدان الإمبريالية نشهد صعود التيارات اليمينية المتطرفة، من الجبهة الوطنية في فرنسا إلى حزب الشاي في الولايات المتحدة، مرورا بمختلف الاحزاب الاخرى التي تقوم بدورها، وبشكل متفاوت، بإشاعة افكار العنصرية والمعاداة للأجانب.

وفي دول أوروبا الشرقية والبلقان، فرغم تعدد شعوبها وتداخلها ببعضها، نجد تصاعد القومية العدوانية التي أدت، ابتداءا من عام 1991، إلى حرب دامت عشر سنوات في يوغوسلافيا السابقة مخلفة ما بين ال000 200 وال000 300 قتيل والمليون نازح.

ويهدد صعود الشوفينية المتضادة دولا أخرى في أوروبا الوسطى وفي البلقان كرومانيا وسلوفاكيا وهنغاريا. ففي هذه المنطقة المجزأة والمقسمة وفقا لمقادير القوة بين الدول الإمبريالية، تتضاعف أزمة القوميات بوجود مطامع لكل دولة في أراضي الدولة المجاورة.

وفي أفريقيا، ينعكس انعدام الآفاق الشيوعية بشيوع الافكار العرقية الذي يستمر بالفتك في الكونغو بعدما أن فتك في ليبيريا وسيراليون ورواندا، ويهدد بمعاود الظهور في العديد من البلدان الأخرى حيث لم يؤدي التطور الرأسمالي المفروض من الخارج إلى حل النعرات العرقية.

تتفاعل العلاقات الدولية إذن في هذا السياق. والعلاقات بين الولايات المتحدة باعتبارها القوة الإمبريالية المهيمنة والاتحاد السوفياتي، بعد أن شكلت حجر الزاوية في العلاقات الدولية خلال العقود الأربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية، قد فقدت الكثير من أهميتها مع تفكك الاتحاد السوفياتي، ولكن ما زال لديها بعض الاهمية.

كانت سنوات حكم يلتسين كارثية بالنسبة لروسيا بسبب تفكك الاتحاد السوفياتي بين العشائر البيروقراطية في محاولة لحصحصة القطاعات الاقتصادية بيتهم. فأصبحت الولايات المتحدة "القوة العظمى" الوحيدة في العالم واستنحت الفرصة لمنع روسيا من أن تصبح قوة على الساحة الدولية من جديد.

فتوسعت منظومة حلف شمال الأطلسي ليس فقط ل عدة بلدان من شرق أوروبا (الديمقراطيات الشعبية السابقة) ولكن أيضا إلى دول البلطيق مع الرغبة بأن يشمل غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل أوكرانيا وجورجيا.

وتوطيد النظام في عهد بوتين لم يسمح لروسيا باستعادة القوة التي ميزت سلفها، اللاتحاد السوفياتي، ومع ذلك، فإنه قد أعطى روسيا مكانا بين القوى العظمى. فلا تزال روسيا قوة عظمى من حيث حجمها ومواردها وقوتها العسكرية، وأيضا لأن دبلوماسيتها تمتلك تحالفات وعلاقات ورثتها من زمن الاتحاد السوفياتي. فها هي بوضعية تمكنها من القيام بسياسة خارجية تتوافق مع مصالحها الخاصة، بما في ذلك عند اختلافها وتعارضها مع مصالح الولايات المتحدة، كما شهدنا مع المسألة السورية.

الولايات المتحدة بعد إعادة انتخاب أوباما

قد أعيد انتخاب أوباما في نوفمبر تشرين الثاني 2012 رئيسا للولايات المتحدة لمدة أربع سنوات أخرى. تم انتخابه هذه المرة دون بعض الأوهام الانتخابية التي كانت موجودة في عام 2008. فانتخابه كان أكثر بسبب غطرسة الجمهوريين واحتقارهم لمن يتلقون المعونات الاجتماعية (أي العمال بنظرهم) وبسبب خنوعهم للبرجوازية الكبرى - وبعضهم ينتمي إلى هذه الطبقة - منه دعما لسياسة أوباما. بلغ الامتناع عن التصويت ال48 ٪ من الناخبين، وبلغ أكثر من ذلك في الفئات الشعبية، وخسر أوباما أربعة ملايين ناخب. جوهريا، لا تختلف سياسة أوباما عن سياسة الجمهوريين : حروب في الخارج، إنقاذ البنوك والشركات الكبيرة عبر فت آلاف المليارات من الدولارات التي يقوم بأخذها من جيوب الطبقة الكادحة عبر تخفيض الخدمات العامة وتسريح العمال وخفض الأجور والمعونات الاجتماعية.

فعدم تمكن الجمهوريين من الفوز بالرئاسة ولا حتى في مجلس الشيوخ يعود لكون حملتهم الانتخابية حملت أفكار رجعية للغاية فأخافت جزء من الناخبين. فد ألقى الجناح المتطرف اليميني، "حزب الشاي"، وزنه على الحملة وعلى اختيار المرشحين، ولكن معظم المرشحين التابعين لهذا الجناح قد هزموا في مجلس الشيوخ. أما في مجلس النواب، فقد حصل الجمهوريون على أصوات أقل من الديمقراطيين ولكنهم حصلوا على عدد أكثر من المقاعد وذلك بفضل التقسيمات المدروسة للدوائر الانتخابية في ال26 ولاية التي يسيطر عليها الجمهوريون.

وبلغ حد الديون الفيدرالية الآن ال000 17 مليار دولار، أي أكثر من مجموع الديون السيادية للدول الأخرى في العالم. وقد تم زيادة الدين بسبب آلاف الميليارات من الدولارات التي تم ضخها في الاقتصاد منذ عام 2007، بما في ذلك إنقاذ المؤسسات المالية الكبيرة. وقد حصل العديد من المشاحنات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين حول هذه الديون الضخمة. لكن كلاهما يتفقان على تقديم الفاتورة إلى الناس والطلب منها بالقيام بالمزيد من التضحيات. فإذا كان الجمهوريون يطلبون بشكل منهجي تخفيض الخدمات العامة والإنفاق الاجتماعي، إلا أن الديمقراطيون لطالما سبقوهم للقيام بذلك. كلاهما قام برفع الضرائب في حين أنهم كانوا يقومون بالتقشف فيما يخص آلاف البرامج والخدمات في مجالات الصحة والتعليم والأشغال العامة وحماية البيئة والسلامة والأمن الغذائي ورقابة الأدوية، الخ. وفي سياساتهم التقشفية الاخيرة قاموا بتخفيض بدل البطالة الطويل الأمد وألغوا مناصب عشرات الآلاف من المعلمين وموظفي القطاع العام. كما قاموا بتخفيض أجور مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين عبر فرض أيام عطلة غير مدفوعة، والتقشف في البرامج الفيديرالية المخصصة للمتقاعدين، سواء التأمين الطبي أو المعاش التقاعدي.

في الوقت نفسه، يقرون الاعفاءات الضريبية للأغنياء وللشركات الكبيرة. والشركات الكبيرة (مثل أمازون، وجوجل، وأبل، وغيرها) تدفع قسط ضئيل من الضرائب بفضل توطين الاموال في الملاذات الضريبية في جميع أنحاء العالم... وذلك أيتم أيضا داخل الولايات المتحدة في ولايات مثل ولاية نيفادا أو ولاية ديلاوير التي يفوق عدد الشركات فيها عدد سكانها. ففي أيامنا هذه يوجد العديد من الشركات الكبيرة والبنوك التي تدفع القليل من الضرائب أو حتى لا تتدفع أية ضريبة على المستوى الفيديرالي، ومنها حتى من يتلقى مليارات الدولارات بسبب سياسات الخفض الضريبي.

وأخيرا، فقد صرفت الحكومة تريليونات الدولارات في حربين طويلتين في العراق وفي أفغانستان، وكذلك في جميع الحروب التي تغذيها في مختلف القارات لصالح شركات النفط ومصنعي الاسلحة والبنوك.

الصحافة تشير بانتظام إلى حدوث "انتعاش اقتصادي" في الولايات المتحدة. لكن الانخفاض القليل في معدل البطالة الرسمي (7.5 ٪، مقابل 12 ٪ في أوروبا) يبدو أن سببه الرئيسي يعود إلى عزوف العديد من العاطلين عن البحث عن عمل وبالتالي خروجهم من الإحصاءات. ومن بين المؤشرات على ذلك انخفاض نسبة المشاركة في سوق العمل (أي نسبة السكان العاملين مقارنة مع عدد السكان في سن العمل) إلى 63.5 ٪ وهو أدنى مستوى منذ أواخر 1970. والحكومة الفيديرالية تدرك الأمور جيدا فبالرغم من الديون الهائلة، فإنها لا تزال تحقن كل شهر 85 مليار دولار في النظام المالي. الواقع أن الحكومة الفيديرالية لا تعلم أكثر من أي أحد إذا كان الاقتصاد سوف يعاود النمو يوما.

في هذه الاثناء تواصل البرجوازية الكبيرة تراكم الثروات والبنوك الكبرى تحقق أرباحا قياسية. فكمية إنتاج السيارات تقترب من مستواياتها التاريخية، وصانعي السيارات، الذي كان بعضهم قد أعلن إفلاسه في عام 2009، قد عادوا يربحون الأموال. كل هذا تحقق من خلال زيادة استغلال العمال: فإنتاج المزيد من ملايين السيارات يتم بعدد أقل من العمال - مئات الآلاف أقل - وذلك بأجور أقل وبتعويضات اجتماعية تم تخفيضها إلى النصف !

ويشكل إفلاس مدينة ديترويت مثالا واضحا عن الحرب التي يشنها رأس المال الكبير في جميع أنحاء البلاد ضد العمال والفقراء. فهذه المدينة التي كانت مزدهرة في الماضي قد أفلست بسبب النفقات التي قامت بها في سبيل مساعدة الشركات الكبيرة (توفير الأراضي والبنية التحتية والهدايا للمستثمرين)، وأيضا بسبب الرأسماليين في قطاع السيارات الذين قاموا بتخفيض عدد العمال بشكل كبير في سبيل الحفاظ على كمية أرباحهم وزيادتها. فالمفوض التي تم تعيينه من قبل الحاكم في سبيل إصلاح موازنة البلدية نظريا فهو يقوم في الحقيقة بضمان تسديد الديون للعديد من البنوك والدائنين الرئيسيين حتى وإن تطلب ذلك استنزاف السكان وبيع جميع المرافق العامة، وحتى حرمان موظفي البلدية من معاشاتهم التقاعدية وتأمينهم الطبي. فمن أصل ال18 مليار دولار تقريبا من ديون البلدية، 9 مليارات تعود لصندوق المعاشات التقاعدية لموظفي البلدية وصندوق التأمين الصحي للمتقاعدين، لكن هذه الديون لا تنوي البرجوازية تسديدها.

من خلال قضية ديترويت هذه، وهي أكبر مدينة تتعرض للإفلاس حتى الآن، تقوم الطبقات الغنية باستهداف جميع العمال الأميركيين. فالعديد من المدن لديها ديون لنفس الأسباب، وجميع البلديات تفرض التضحيات لموظفيها - من تسريح العمال وخفض الأجور وفرض أيام عطلة غير مدفوعة الأجر وتخفيض الرعاية الطبية ومعاشات التقاعد - وتخفيضات في جميع الخدمات العامة. ويعبر تصرف بلدية نيويورك خلال تعرض المدينة لإعصار ساندي عن هذه السياسات: ففي حين كان السكان المتضررون من الإعصار يحاولون الخلاص بأنفسهم دون مساعدة، وهم منقطوعون عن باقي المدينة لعدة أيام، كان حرص السلطات مركزا على القيام بإعادة تشغيل بورصة المدينة.

في كل مكان يؤدي جشع البرجوازية وتطفلها إلى إفلاس الخزائن العامة وإلى نشر الدمار والخراب. فال20٪ الأكثر غنى يسيطرون على ال84٪ من الثروة الوطنية، بينما يتقاسم ال40٪ الأكثر فقرا 5٪ فقط من هذه الثروة. والأزمة العقارية التي دمرت أحياء بأكملها لم تنتهي بعد. فما زال طرد العائلات من منازلها مستمرا لتحتفظ البنوك بالمنازل المصادرة بانتظار ارتفاع الأسعار، ذلك في الوقت الذي يصعب على الناس العثور على سكن.

أما عملية الإصلاح الكبيرة التي قام بها أوباما بخصوص التأمين الصحي فهي قبل كل شيء عبارة عن هدية لشركات التأمين التي سوف نرى تدفق الملايين من الزبائن الجدد. لكن مع تراجع أوباما الذي أرجأ تطبيق إجبار الشركات على ضمان موظفيها تاركا المجال للولايات التابعة للحزب الجمهوري امكانية رفض تنفيذ هذا الإصلاح، لا يزال يفتقر حوالي ال30 مليون شخص إلى تغطية صحية. وحتى المستفيدون من هذا الاصلاح فو إن كان قسط التأمين منخفضا، فالتغطية سوف تكون ضئيلة للغاية بشكل يترك على عاتقهم قسما كبيرا من تكاليف العلاج، فيستمر بموجب هذا بعضهم بالانكفاء عن العلاج رغم اتخاذهم لبوليصة تأمين لأنها قد أصبحت إلزامية تحت طائلة دفع غرامة.

وفي مواجهة الهجمات البرجوازية هذه، ينشغل زعماء النقابات، بعيدا عن مساعدة العمال للدفاع عن أنفسهم، بالظهور كشركاء وليين لأصحاب الشركات فيسعون إلى إقناع الموظفين بالقبول بالتضحيات. ومن الواضح أن من شأن هذه السياسة أن تضعفهم وخاصة بأن حكام عدد من الولايات التابعة للجمهوريون قد بدؤوا بالهجوم عليهم عبر تمرير قوانين تنهي الخصم التلقائي لمستحقات النقابة لدى أرباب العمل.

الاتحاد الأوروبي في عام الانتخابات

بما يخص أوروبا فإن تسليط الضوء في السنة القادمة سوف يكون على انتخابات البرلمان الأوروبي وهو الجزء الاكثر ابهرا من الديكور الديمقراطي للبناء الأوروبي.

فسوف يتم دعوة الناخبين من جميع دول الاتحاد الأوروبي لانتخاب أعضاء هذا البرلمان ذي الصلاحيات القليلة وهو ليس عبارة إلا عن مكان للثرثرة، كما هو حال البرلمانات الوطنية في الانظمة الديمقراطية البرجوازية.

وباعتبار قيام الانتخابات الأوروبية يأتي في سياق حملة الانتخابات البلدية الفرنسية، فإننا سوف ندخل في هاتين الحملتين بهدف "رفع صوت معسكر العمال" ذلك بالطبع مع إظهار موقفنا بشأن الاتحاد الأوروبي.

فسوف نعبر عن معارضتنا ليس لقيام اتحاد أوروبي ولا لأوروبا ولكن إلى كون المؤسسات التي أنشأتها برجوازيات عدد من البلدان الأوروبية ليست في الواقع اتحادا ولا يمثلون أوروبا. ذلك أن سبب وجود هذا الاتحاد يتوقف عند تسهيل حركة رؤوس الأموال والسلع فقط. فما يصيب الغجر من سياسات في مختلف البلدان يلقي الضوء على ماهية حرية تنقل الأشخاص ضمن الاتحاد. أما الحديث عن أن الاتحاد الأوروبي هو أوروبا فهذا كذب إذ أن أكثر من نصف أراضي أوروبا وأكثر من ثلث سكانها ليسوا جزءا من هذا الاتحاد.

وهذا الاتحاد كذبة لأنه عبارة فقط عن لفيف من الدول، بعضها من الدول الامبريالية التي المهيمنة على الدول الأخرى، لا تزال مصالحها المتعارضة قائمة. وأوروبا تضم اليوم كمية أكبر من الحدود بسبب تقسيم دولها، مقارنة مع كان الامر منذ ستين عاما عندما تم وضع الحجر الأول للاتحاد الأوروبي. وتكاثر هذه الحدود بدل أن يحل مشاكل الأقليات القومية قام على العكس بزيادة هذه المشاكل.

سوف نكرر القول في هذه الانتخابات، كما فعلنا في السابق، بأن توحيد أوروبا كان ليشكل تحسنا حتى في ظل الرأسمالية. إلا أن البرجوازية في الواقع لم تعد تقدر على إحداث تقدم سياسي في أي مجال كان.

سوف نكرر معارضتنا للحواجز الوطنية والحمائية التي تقوم بتجزيء أوروبا واقتصادها.

ضد كل أشكال الشوفينية الغوغائية، العلنية والمقنعة، وضد الحمائية التي لا تحمي إلا مصالح الرأسماليين وليس مصالح المستغلين. وسوف نؤكد قناعتنا بأنه "ليس للعمال وطن".

نؤكد أن معنى النضال من أجل الشيوعية هو في مصادرة رأس المال الكبير ومستقبل أوروبا هو في الانتهاء من دكتاتورية رأس المال وفي إزالة الحدود بين دولها كما في إزالة الأسلاك الشائكة من حولها لتكون مفتوحة على العالم. سوف نؤكد بأن نكون شيوعين يعني بأن نكون أمميين لأن مجتمع المستقبل، الخالي من الملكية الخاصة ومن الاستغلال، لا يمكن تحقيقه إلا على مستوى العالم ككل.

ومن حيث جميع المطالبات المتواجدة ضمن المجتمع الرأسمالي اليوم، نرتئي تلك التي توحد نضالات الطبقة العاملة ونرفض تلك التي تفرق بين النضالات وأولها تلك التي تنشىء تسلسل هرمي بين الشعوب.

روسيا

منذ ال2007-2008، قام آخر مظهر من مظاهر الأزمة العالمية بتوضيح ما آل إليه الاقتصاد السوفيتي السابق. بعد نهبه من قبل مجموعة من الطفيليين، وتقسيمه، يستكمل ما تبقى من هذا الاقتصاد اضمحلاله. وبعد أكثر من عشرين عاما على اختفاء الاتحاد السوفياتي، أي ملكية الدولة والتخطيط الانتاجي، لم يتمكن أي شيء من إنعاش الاقتصاد في هذا البلد الشاسع - وبشكل واضح أن "المبادرة خاصة"، التسمية الآخرى للطمع بالربح الرأسمالي، لم تتمكن من احداث هذا الانتعاش.

فالاستثمارات الإنتاجية الخاصة هي شبه معدومة: من المشاريع الكبرى التي تتحمل عبأها الميزانيات العامة المتهالكة في حين أنها تشكل المحرك للاقتصاد الروسي، إلى المصانع القديمة وذات تكاليف الإنتاج العالية إلى درجة تجعل سعر منتجاتها أكبر من سعر المنافسة في السوق الخارجية.

أمام كل هذا، هل سوف تقوم السلطات بالاعلان مرة أخرى بأنها سوف تقوم بتطبيق "الإصلاحات الهيكلية" التي ما فتىء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ينتقدان التأخر في تطبيقها؟

إن اتخاذ هكذا قرار ليس بهذه "البساطة" عندما تندر رؤوس الأموال. فإفلاس قبرص ذكرنا جيدا بأن المترفين الروس، من البيروقراطيين على اختلاف درجاتهم والبرجوازيين على تنوعهم، يستمرون بإرسال الكثير الأموال التي يقتطعونها من روسيا نحو الملاذات الضريبية.

والقرار بإقفال المصانع العديدة غير المربحة ليس بالسهل أيضا. فهذه المصانع توفر لقمة عيش مدن بأكملها - المئات من هذه "المدن الأحادية" ذات صناعة واحدة والتي شكلت إطار التنمية الصناعية في الحقبة السوفياتية - ومن شأن إقفالها أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. ولا ننسى بأن هذه المواقع الصناعية، وحتى القديمة منها، هي في كثير من الحالات مصدرا رئيسيا للدخل بالنسبة للكثير من البيروقراطيين المحليين، وتشكل خصوصا ضمانا لوزنهم الاجتماعي والسياسي.

وأمام المردودات السلبية للأزمة العالمية، بدأ يسعى الكرملين إلى الحد من النفقات ولكن بحذر شديد، وبدأ في تطبيق تدابير التقشف والتخفيضات في الميزانية. فقام بتجميد أجور 1.5 مليون موظف حكومي في حين أن التضخم (حوالي 7 ٪) لم يتباطئ، وبزيادة تعريفات الخدمات العامة وإدخال نظام الحصص في استهلاك الطاقة أو المياه مما يؤدي إلى زيادة حرمان الشعب وزيادة الفواتير التي تصله...

ومنذ وصوله الى السلطة في أوائل عام 2000، يستعين بوتين بالنزعة القومية وبزمن القياصرة العظماء وبذكرى السلطة السوفياتية الكبيرة في عهد ستالين، كل هذا في سبيل تحسين هيبته ولكي ينسى الناس بأن 10٪ منهم فقط (بحسب تقدير أكاديمية العلوم في روسيا) قد استفاد من وراء انهيار الاتحاد السوفياتي.

أما المواجهة بين موسكو وكييف التي تتردد بإمضاء اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي في حين أن الكرملين يبغي ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي مع روسيا البيضاء وكازاخستان، فإنها تدل على أن سياسة " التكتلات السياسية" لم تختف مع انهيار الاتحاد السوفياتي.

والكرملين الذي ليس لديه صعوبة في إظهار الدول الإمبريالية كالمسؤول الأول عن هذا التوتر يستخدم الأزمة لتعزيز موقفه الداخلي بإسكات قسم من المعارضة اليمينية والبرجوازية الصغيرة. وآثار الأزمة العالمية، وحتى غير المباشرة منها، من المرجح أن تؤثر على الروح المعنوية للطبقة العاملة التي تزايدت ناضلاتها مقارنة مع السنوات السابقة.

الصين

تأكد تباطؤ الاقتصاد الصيني في عام 2013. في حين أن الناتج المحلي الإجمالي قد تقدم بنسبة 10 ٪ سنويا منذ عام 1990، تباطأ نموه إلى 7.5 ٪ الآن. يمكن تفسير ذلك بتأثير الأزمة العالمية على الصادرات الصينية، والتي تمثل 36 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 (26 ٪ في عام 2009). ولكن حتى هذه الأرقام ليست على الأرجح سوى القسم الصغير الظاهر من مشاكل كثيرة أخرى من ديون مخفية وبنوك ضعيفة ومضاربات العقارية.

ففقاعة الائتمان تواصل انتفاخها. وحسابات البنوك بلغت أكثر من الضعف منذ عام 2007. وإذا ما زال الدين المركزي عند مستوى منخفض (14 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي) مقارنة مع الدول الغربية، فهذا الرقم هو خدعة في الحقيقة. فمنذ عام 2008، ضخت الحكومة أموالا طائلة في الاقتصاد. والكل يعرف منذ زمن طويل أن الحكومة لا تدخل في حسابات الدين قروض البلديات وتلك التي تقوم بها بعض الادارات الحكومية المثقلة بالديون (مثل وزارة السكك الحديدية)، مما يرفع إجمالي الدين إلى 45 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، فقد خلقت البلديات آليات تمويل مبهمة معروفة ب" آليات تمويل الحكومات المحلية" في كتلة خيوط معقدة تقول الحكومة المركزية بأنها غير قادرة على حلها، وبالتالي فهي تعترف ضمنيا بعدم قدرتها على تقييم حجم هذه الديون.

وتبلغ المضاربات العقارية مستويات مرتفعة منذ عدة سنوات. فإذا كان البلد يستهلك حوالي 60 ٪ من إنتاج الأسمنت في العالم، و43 ٪ من مواد البناء، ذلك لا يعود فقط لنمو السكان في المدن. إذ ذكرت الصحف انتشار "مدن الأشباح" كما في حي كانغباشي في مدينة اوردوس في منغوليا الداخلية حيث تم بناء ما يكفي لاستيعاب مليون نسمة في حين أن الحي يقطنه 30000 شخص فقط. ويعد نحو 70 مليون منزل شاغر وطرق سريعة ومطارات قليلة الاستعمال. هذا لا يمنع من استمرار حمة البناء، كما حدث في الولايات المتحدة او اسبانيا. ويقول أحد الأخصائيين بأنه "يجب أن نستمر في تمويل القطاع العقاري ولذلك يجب جذب المستثمرين من خلال تعويضات لأموالهم أفضل من المعدل." السؤال ليس بما إذا كانت الفقاعة سوف تنفجر يوما ما، بل في متى بالضبط سوف تنفجر ومع أية عواقب.

بالتأكيد أن صعود الصين على الساحة العالمية يتواصل : فهي أكبر منتج للفحم والصلب والألومنيوم والأسمدة والاسمنت، والمنسوجات، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الكمبيوتر في العالم، الهواتف، الخ. الصين هي، من حيث الحجم، ثاني أكبر اقتصاد وتحتوي على احتياطيات نقد الأجنبي من بين الأكبر في العالم. إذا قارنا هذه المستويات بعدد سكانها الضخم، يبقى مستوى الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد الواحد متواضعا، من 5400 إلى 7600 دولار بحسب طرائق الحساب، لتحتل الصين المرتبة 90 في العالم، وراء جمهورية الدومينيكان وتونس وألبانيا.

لقد كنا قد تطرقنا إلى دور الدولة المديرة في تنمية الاقتصاد الصيني في الماضي والحاضر. فالدولة لم تقم فقط بوضع الأسس لتطوير الاقتصاد أيام ماو تسي تونغ، ولم تقم فقط بتنسيق عملية التوسع الانتاجية منذ دنغ شياو بينغ، بل هي لا تزال تلعب دورا رئيسيا في جميع قطاعات الاقتصاد. فهي من تحدد نسبة الفائدة المصرفية وقيمة العملة في أسعار السوق العالمية. وهي في الواقع من يحدد الأسعار وتوزيع عناصر الانتاج الأساسية. وتسيطر أربعة بنوك كبيرة تسيطر عليها الدولة بشكل كامل على نصف الأصول المصرفية، في حين أن مؤسسات الائتمان الاخرى غالبا ما ترتبط بالسلطات المحلية. والدولة تسيطر على معظم موارد الأرض، وكذلك على جميع الشركات الكبرى. العديد من التحليلات تؤكد أنه حتى منذ أزمة عام 2008، ازدادت سيطرة الدولة. فالدولة التي تلعب دورا مهما في الاستقرار والتي بدونها لكانت البلاد قد تم تفريغها من قبل البرجوازية الصينية والأجنبية. و تستمر الدولة، كما كان من قبل عام 1949، بالسهر على الابقاء على قدر من النمو الوطني.

هيمنة الدولة هذه، المنتشرة في جميع المجالات الحيوية في المجتمع، لا تتناقض مع تنامي ثراء البرجوازية الصينية. فعالم الأعمال وطبقات المسؤولين السياسيين والإداريين يتشابكون بشكل وثيق إلى درجة الدمج أحيانا. والصين لم تنفك يوما من أن تكون دولة البرجوازية حتى بعد عام 1949. الفرق هو أنه في فترة حكم ماو تسي تونغ كان إثراء الطبقات العليا في النظام مخفي عن الشعب، أما الآن فأصبح علنا من دون أي حد أو رقابة.

إن الأسس الرئيسية للنمو الصيني في مدة الثلاثين عاما الماضية كانت بالإفراط في استغلال الطبقة العاملة الصينية وبدمج 300 مليون من الريفيين الفقراء في الصناعة والبناء. وإذا ما زالت الشركات الأمريكية والأوروبية والآسيوية تحصد نسبا كبيرة من فائض القيمة على حساب البروليتاريا في الصين، فالبرجوازية الصينية المتوسطة والكبيرة تغتني هي أيضا بسرعة. وتواصل الطبقة العاملة دفع الثمن باهظا للتصنيع ولإعمار البلاد، وذلك في ألف طريقة مختلفة: من ساعات العمل الطويلة إلى ما لا نهاية بدون أيام للاستراحة، إلى العقاب البدني وحالات التسمم المهنية والحوادث المهنية، وإلى بتر الأجور عبر الخصومات والتأخر في دفع الرواتب، وتسريح العمال، الخ. يضاف إلى ذلك فضائح التلوث والفضائح الصحية والغذائية ومصادرات الممتلكات المتعلقة بالمشاريع الصناعية والعقارية وإلى ما هنالك.

إنه لمن الصعب تقييم النضالات التي تقوم بها الطبقة العاملة الصينية، الأكبر في العالم. من الواضح أن هذه المعارك صعبة بسبب القمع السياسي والتواطؤ الموجود بين النقابة الوحيدة وأرباب العمل والسلطات. لكن أصداء مختلفة تتكلم عن تنامي الاضرابات والصراعات حول ظروف العمل والأجور. هذا ما يفسر حدوث زيادات الاجور بنسبة ال15 ٪ سنويا في المناطق الساحلية الأكثر تصنيعا وسكانا. ومع ذلك، لا يبدو أنه قد بدأ يرتسم أي توجه سياسي، وإن كان أقلية، يجسد مصالح البروليتاريا. هذا التوجه كان قد وجد في الصين ولكن تم تدميره بسحق المعارضة اليسارية التروتسكية تحت تشانج كاي شيك في عام 1930 و1940، ثم في ظل النظام الماوي. إن مستقبل البروليتاريا الصينية هو بإعادة إحياء هذا التقليد عاجلا أم آجلا.

بعد ما يسمى ب ال "الربيع العربي"، تنامي الردة الرجعية في تونس ومصر

ما يقارب الثلاث سنوات مرت منذ بداية ما سمي ب"الربيع العربي" في مصر تونس. لكن الانتقال الديمقراطي المرتقب من قبل سكان تلك الدول العربية تبين أنه مجرد سراب. فالآمال الكثيرة التي ولدت لدى الجماهير قد خاب قسم كبير منها.

فتونس، كأول بلد تخلص من الديكتاتور الحاكم "بن علي" مطلقا بذلك حركة "الربيع العربي"، يعيش حاليا أزمة سياسية عميقة وخصوصا بعد مقتل أثنين من مناضلي اليسار. حيث أدى ذلك إلى إضافة صعوبات لحكم حزب النهضة والعدالة والمتهم بالتواطؤ في هذه الاغتيالات. ولكن الأزمة الحقيقية والعميقة هي أزمة اجتماعية واقتصادية. فقد ازدادت حدة الفقر بالنسبة لمعظم السكان الذين يعبرون عنه من خلال المظاهرات الشاجبة للسلطة الحالية التي بدأت تفق شعبيتها.

ولكن تطور الأحداث يتجلى بشكل خاص في مصر وهو ذات تأثير كبير بسبب أهمية هذه الدولة والدور السياسي المحوري الذي تلعبه في العالم العربي. فالانقلاب العسكري في الثالث من حزيران (يوليو) الماضي أنهى على حكم الإخوان المسلمين ورئاسة محمد مرسي. وبقيامه بهذا الانقلاب بعد المظاهرات الضخمة التي نظمتها حركة تمرد في 30 حزيران، والتي كانت تطالب بتنحي الرئيس مرسي، استطاع الجيش تقديم نفسه كمنفذ لرغبة الجماهير. وهو قد لقي الدعم من قبل العديد من القوى السياسية من القوميين إلى العلمانيين مرورا باليبيراليين، وهي التي كانت قد ساهمت منذ 2011 أيضا بتقديم الجيش كمنفذ ومحقق لإرادة الشعب. ولكن في الواقع، إذا كان الجنود الصغار قريبين جدا من الطبقات الشعبية التي ينتمون بالأصل إليها، تبقى القرارات، كما الحال في كل جيوش العالم، بيد القيادة العسكرية المكونة من كبار ضباط الجيش. ولهذه الفئة أهداف ومصالح مختلفة وبعيدة تماما عن أهداف ومصالح الطبقات الاجتماعية الفقيرة.

وكان رحيل مبارك في شباط (فبراير) 2011 عن السلطة واستبداله بالمجلس الأعلى للقوى العسكرية الذي وعد بفتح الطريق اتجاه الديمقراطية، قد تم حسب اتفاق بين القيادات العليا في الجيش المصري وقادة الإمبريالية الأمريكية. كان الهدف من ذلك التخلص من الدكتاتور المهترئ والمكروه جدا من فبل شعبه، بغية الحفاظ على المصالح الأساسية للطبقة المسيطرة. فكانت هذه الطريقة الأفضل من أجل منع الحركة الشعبية التي بدأت بشعار "إرحل" من تفكيك سلطة الدولة وربما الوصول لوضع ثوري حقيقي يبحث عن حلول سياسية لمصالحها الطبقية.

وقد سمح رحيل مبارك للجيش بلعب دور منقذ الشعب وإستعادة رصيد شعبي كان قد تدهور في السنوات السابقة وأن ينصب نفسه من جديد كحكم الساحة طبعا من خلال حماية مصالح الطبقة البرجوازية المصرية ومصالح الإمبريالية الأجنبية.

الحقيقة أن السلطة لم تخرج أبدا من قبضة الجيش المصري، حتى بعد انتخابات حزيران (يوليو) عام 2012 التي أدت لوصول ممثل الأخوان المسلمين (محمد مرسي) للسلطة، ومحاولة الأخير استبدال بعض القادة العاليين في الجيش برجال من اختياره.

إن العمق الكبير للأزمة الاقتصادية والاجتماعية قد أدى إلى تسارع فقدان الشعب لثقته بحكومة محمد مرسي. وهو قد بدا أكثر انشغالا بإرضاء جماعته عبر تطبيق الشريعة الإسلامية من أن يهتم بتداعيات الأزمة الاجتماعية ومتطلبات الطبقات الفقيرة. وهذا يشرح في نفس الوقت نجاح حركة تمرد في حشد الصفوف من أجل التخلص من حكم محمد مرسي. وبالطبع أن هذه الحملة قد استفادت من دعم الجيش وإن كان من الصعب تقدير حجم هذا الدعم والدور الذي لعبه في الحملة. وكان انقلاب 3 تموز (يوليو) علامة فارقة في الصراع بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، أي بين القوتين اللتين شكل تنافسهما إطار تاريخ مصر السياسي على مدى عدة عقود. كما رد الجيش على المظاهرات التي نظمها الأخوان المسلمون بالقمع المفرط والعنيف مخلفا حماما من الدم بين أنصار الأخوان المسلمين ، الأمر الذي خلق جوا من الحرب الأهلية في البلاد.

ولكن أبعد من مسألة تصفية الحسابات مع الإخوان المسلمين، جاء هذا الانقلاب بهدف حل مسألة أكثر جوهرية بالنسبة للبرجوازية المصرية والإمبريالية. فمنذ عدة سنوات، حتى قبل رحيل مبارك، كانت مصر قد دخلت في مرحلة من عدم الاستقرار الاجتماعي. فتزايد الإضرابات العمالية قد أظهر أن جزئا من الطبقة العاملة لم يعد بمقدوره تحمل وضعه الاقتصادي المتردي وبنفس الوقت قد بدأ يشعر بقدرته على المطالبة بتحسينات وإن لم تتعدى المتطلبات الاقتصادية. وجاء على هذه الخلفية تراكم متطلبات شريحة من البرجوازية الصغيرة التي لم تعد تتحمل نظام مبارك.

ولكنه إذا كانت السلطة القائمة قادرة على تحقيق التطلعات السطحية للبرجوازية الصغيرة، فأنه ليس بمقدورها تلبية حاجات الشرائح الشعبية الواسعة. ذلك بسبب جشع البرجوازية المصرية ومن فوقه رفض الرأسمال الإمبريالي التنازل عن ولو جزء صغير من أرباحه. فالهدف الرئيسي للسلطة العسكرية الجديدة هو التصدي لهذه المتطلبات الشعبية وحتى إلى قمعها بشكل كامل إذا تمكن من ذلك .

الحقيقة أن الجيش لم يتوقف قط عن العمل ضد الإضرابات والحركات الشعبية العفوية للعمال المصريين سواء خلال فترة حكم مرسي أومن بعده. بالرغم أنه يحاول الاستفادة من الرصيد السياسي الذي كان قد حصل عليه بعد الإطاحة بالإخوان في الثالث من حزيران (يوليو)، الجيش لن يتراجع بالتالي وخصوصا بعد استعماله للقمع المباشر.

بعد مواجهات شهر آب (أغسطس)، أعلنت السلطة الجديدة حظر التجول وأعادت حالة الطوارئ. وهذا الوضع يمكن أن يدوم كما وكان قد دام لمدة أكثر من ثلاثين عاما خلال حكم مبارك، بعيدا من أن يكون الهدف المزعوم الذي هو إنهاء حكم الأخوان المسلمين.

وانقلاب الثالث من حزيران (يوليو) ليس قادرا حتى على حماية السكان المصريين من محاولة رجال الدين لتطبيق قوانينهم في الأحياء والشوارع. فزعيم الانقلاب العسكري، "الجنرال السيسي"، الذي حصل على الدعم الكامل من المملكة العربية السعودية المتنافسة مع حزب الأخوان، لن يفعل أي شيء من الممكن أن يزعج المملكة. وعلاوة على ذلك، وبالرغم من القمع العنيف الذي مارسه الجيش تجاه عناصر الأخوان المسلمين، فهو بعيد جدا من أن يزيح الخطر الذي تشكله هذه الجماعة الرجعية والظلامية. فهذا التنظيم يحافظ على تواجد عميق في المجتمع خصوصا عن طريق تنظيم المساعدات الاجتماعية والتي يسيطر على قطاع واسع منها أيضا في العديد من البلدان الإسلامية وهي تشكل نقطة ارتكاز هذه التنظيمات الاسلامية.

إن قادة الإخوان يعلمون أن السلطة العسكرية أيضا يمكن أن تفقد رصيدها السياسي بشكل سريع وحينها ربما سيكون لديهم الفرصة للعودة من جديد وبشكل أقوى. عندها يمكنهم الاعتماد على عناصرهم وقد زادوا عصبية في عقيدتهم بعد أحداث القمع الدموي في أغسطس 2013 وهم يودون الانتقام من القوة العسكرية وربما أيضا من العلمانيين واليساريين وأيضا من الأقلية القبطية التي أظهرت ووقوفها |إلى جانب الجيش. هذا الذي ربما سوف يظهر وبشكل سريع ليس فقط إعادة القوة للإخوان المسلمين بل أيضا إظهارهم كأداة مفيدة يمكن إعادة استعمالها من قبل البرجوازية المصرية. فلطالما قامت السلطة في مصر باللعب بين التعاون المفتوح مع الأخوان المسلمين وقمعهم. وإن إذا لم تستطيع السلطة العسكرية إخضاع السيطرة على الطبقات الشعبية فإن الأخوان المسلمين يمكنهم من جديد القيام بذلك عبر السيطرة العقائدية على الطبقات الشعبية وحتى ممارسة القمع عليها.

في مصر كما في تونس لا تزال الطبقات المسيطرة بعيدة عن الحصول على حالة من الاستقرار وإنهاء حالة الحراك الشعبي. وتظهر إلى حد الآن هذه التغيرات والأحداث كم هو من الصعب تصور أي تحسين حقيقي في وضع الطبقات الشعبية من دون أعطاء أهداف سياسية وثورية واضحة. فالقضاء على الدولة البرجوازية، وإحلال سلطة عمالية والفقراء وانهاء السيطرة الإمبريالية، هي الطريق الوحيد من أجل الحصول على تلبية حقيقية لمتطلباتهم الأكثر إلحاحا وضرورة. في البلاد الفقيرة كما هو الحال في مصر وتونس وفي أغلبية البلدان العربية، المعركة من أجل الحقوق والحريات والديمقراطية والحقوق الاجتماعية لا يمكن أن تخاض حتى نهايتها من دون معركة العمال الواعيين في نضالهم من أجل حريتهم عن طريق السيطرة على جميع ممتلكات الطبقة البرجوازية وإنهاء سيطرتها.

في سوريا مصيبة حرب أهلية مدمرة لكل السكان

ولعله في سوريا حيث نجد التداعيات الأكثر مأساوية للربيع العربي، حيث أنه قد أدى في النهاية إلى حرب أهلية طاحنة. نظام بشار الأسد رد بشكل عنيف على المظاهرات الشعبية التي بدأت في عام 2001 والمطالبة بالحرية والعدالة والتي حل محلها سريعا التمرد المسلح ولكن مع أهداف وتطلعات مختلفة تماما عن آمال وتطلعات الشعب.

إذا كان القادة الغربيون رغم أنهم قد أجادوا دائما التلاؤم مع نظام الأسد الأب ومن بعده الابن واللذان قد قدما خدمات مهمة لهم في السابق، لم يكومةا ليضيعوا فرصة التخلص من هذا النظام القومي العربي الذي ما زال متحالفا مع روسيا وإيران الأمر الذي يعقد لعبتهم وسيطرتهم في منطقة الشرق الأوسط. وهذا أيضا صحيح بالنسبة للدول المجاورة لسوريا كتركيا والأردن والمملكة السعودية والإمارات، فنظام الأسد بالنسبة لها منافس يفضل التخلص منه. فقدمت هذه الدول المجاورة السلاح لجماعات مقاتلة مشكلة من متطوعين أومن فارين من جيش النظام السوري والراغبين بمقاتلة نظام الأسد، وشكلوا لهم قواعد خلفية يستطيعون اللجوء إليها بالإضافة للدعم من قبل الاجهزة الغربية والولايات المتحدة.

في نفس الوقت قامت عدة محاولات من أجل تشكيل تحالف ديمقراطي معارض يمكنه لعب دور بديل سياسي للنظام القائم. آخرها كانت محاولة تشكيل المجلس الوطني السوري والذي تم تشكيله بمساعدة الحكومة الفرنسية التي سارعت للاعتراف به وقد بذلت جهودا كبيرة لتقدم نفسها كشخص رئيسي في هذا النزاع.

غير أن قدرة نظام الأسد على الصمود قد فاقت التوقعات، في كل الأحوال بالنسبة لمن راهن على السقوط السريع للنظام. وبشكل مواز، كان من بين المقاتلين الداخلين لسوريا بمساعدة تركية وأردنية وقطرية عددا من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين والمرتبط قسم منهم بتنظيم القاعدة، وأخذت هذه المجموعات الإسلامية بكسب بكسب الثقل على الأرض أكثر فأكثر، وقاموا بالتصرف كدكتاتوريين جدد مع المواطنين في المناطق المحررة. حتى انهم يقتلون معارضيهم ويعتدون على الأقليات الدينية ويريدون تطبيق قوانينهم على الجميع. مما دفع جزء من السكان للجوء من جديد لأحضان النظام. بالإضافة لذلك فإن تحرير أي مدينة جعلها مباشرة في مرمى نيران نظام الأسد. المعارضة السياسية المجتمعة في المجلس الوطني السوري ظهرت من دون أي قدرة أو سلطة على هذه الجماعات المقاتلة والتي تتصرف في كثير من الأوقات كجماعات من قطاع الطرق.

بالنسبة للشعب السوري، الحرب الأهلية تشكل له خسارة بشرية ومادية فادحة وإضافة لذلك خسارة سياسية. الحركة الشعبية التي بدأت في 2011 كان وقد تم سحقها ليس فقط عن طريق القمع الدموي للنظام بل أيضا عن طريق كل المدعين بأنهم سوف يساعدون الشعب السوري.

فالمجموعات المسلحة والمدعومة من قبل الأنظمة المجاورة أظهروا جميعا بأنهم أيضا أعداء للشعب السوري كما هو حال نظام الأسد. حيث أصبح السكان مجرد ألعوبة بين كل هذه الأطراف المتصارعة. مهما كانت الحالة السياسية الناتجة في نهاية الحرب الأهلية فإنها ستكون عبارة عن تراجع كبير لهذا البلد وتراجع كبير في الحالة المعنوية والمادية للطبقات الشعبية.

وبشكل أكثر مأساوية من حالة مصر، توضح الأزمة السورية كم هو مهم للطبقات الكادحة في هذه الدول أن تفهم أنه ليس لها أي حظ بالتحرر إلا عن طريق نضالها بنفسها وباستخدام الوزن والقوة الاجتماعية التي تمثلهما، ذلك بتحديد أهداف سياسية تخصها وبالنضال من أجل تدمير أجهزة القمع والتي تشكل دول المنطقة والجوار.

هذا ويظهر أيضا في هذه المنطقة بوجود الدول المتنافسة فيما بينها والتي يتم التلاعب بها من قبل الدول الكبرى، بأنه من الضروري والملح على الطبقات العمالية لهذه الدول أن تتعاون فيما بينها وتقوم بتصدير الثورة للجوار قبل أن يتم اكتساحها من قبل هذه الدول. إن سرعة انتقال العدوى الشعبية التي لاحظناها في بداية أحداث الربيع العربي تدل عن إمكانية خدوث ذلك خاصة وأن شعوب هذه المنطقة قد بدأت تدرك ترابط مصيرها السياسي.

.البحث عن توافق دولي تشارك فيه روسيا و إيران

 

 

نشهد حاليا محاولات لتسوية الأزمة السورية. في الواقع قادة الولايات المتحدة الأمريكية, لا يستطيعون قبول نصر المعارضة المسلحة في سوريا, لان هذا النصر يمكن أن يؤدي إلى إحلال سلطة جديدة في دمشق أكثر عدوانية من سلطة الأسد الحالية. و بالمقابل فإن نصرا كامل لنظام الأسد سيجعل أمريكا تفقد ماء الوجه. و من هذا نستطيع أن نفسر سر الاهتمام الدولي الجديد بمشكلة الأسلحة الكيماوية السورية. القادة الغربيون كانوا قد اظهروا من الشدة و الحزم مع نظام دمشق و المتهم عن صحة أو عن خطأ باستخدام هذه الأسلحة, فقد اجبروه عن التخلي عن هذا النوع من الأسلحة, و بغضهم النظر طبعا عن الأسلحة التقليدية المستعملة , التي هي لحد الآن مسئولة عن مقتل عشرات الآلاف من السوريين. عن طريق الوساطة الروسية استطاع نظام الأسد إقناع هذه الدول بأنه سوف يستغني عن هذه الأسلحة و التي هي بكل الأحوال لا تشكل له أهمية بالغة.

لعبة الأدوار هذه في الحقيقة إخفاء لتراجع القادة الغربيين و محاولتهم التوصل إلى توافق مع نظام الأسد بكفالة حلفائه الروس و الإيرانيين. حل سياسي يمكن التوصل إليه و يظهر على شكل مشاركة فصائل من المعارضة في انتخابات موعودة , و أن يفتح هذا الحل الطريق لمناقشات حول إعادة إعمار البلد, بالتالي الاستثمارات و العقود التي يمكن أن تنجم عنه التي هي موضع اهتمام شركات روسية و أمريكية. طبعا و أن تلعب دول كالسعودية و الإمارات دور الممول.

المستقبل و حده سيحدد أذا ما كان هذا الاتفاق قد ابرم. المناقشات يمكن أن تطول, و الحرب الأهلية يمكن أن تطول أكثر حاملة معها كل الخراب و المعانات التي تسببها للشعب السوري. الأكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تقنع حلفائها بهكذا توافق , علما بان المعارضة و التردد من مؤتمر جينيف 2 يأتي حاليا من المجلس الوطني السوري و المملكة العربية السعودية و حلفائها.

في الحقيقة اتفاق مع نظام الأسد برعاية الولايات المتحدة و روسيا و إيران سيكون خيبة و إخفاق كبيرين لتركيا و السعودية و الإمارات. هذا سيجبرهم على قطع الإمدادات عن الجماعات المسلحة التي ساهموا في تشكيلها و دعمها. بما يخص هذه الجماعات, التي يبدو أن الجهاديين يشكلون الجزء الأعظم منها, لا شيء يضمن أن ترضخ أو تنصاع فيما بعد لرغبات المجلس الوطني السوري أو للدول التي تقوم بدعمها.

إن تقارب أمريكي إيراني كان قد حصل بمناسبة مشاركة الرئيس الإيراني روحاني في المؤتمر العام للأمم المتحدة. هذا التقارب أمكن أن يحصل بسبب أن روحاني يتقدم كرئيس معتدل و منفتح و لكن أيضا كتعديل في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. الفوضى في الوضع السوري أضيفت للفوضى في العراق و أفغانستان و الذين حصلوا نتيجة للتدخل الأمريكي السابق في هذين البلدين, القادة الأمريكيين كانوا قد عانوا بما يكفي من هذا التجارب العسكرية و التي خلقت وضع متأزم في المنطقة و هذا لا يعطيهم رغبة كبيرة في مغامرة عسكرية من نوع جديد.

إذا حصل اتفاق مع قوى مثل روسيا و إيران فإن هذه الأخيرة يمكن أن تلعب دور الشرطي و الحارس لتوازن بين دول المنطقة, و ذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة و الدول الغربية, و ربما السيطرة على الاتجاهات الجهادية المختلفة و التخلص من دورها المخل في المنطقة.

إن اتفاق من هذا النوع و الذي سيكون امتداد لنفس السياسة الراهنة, يمكن أن يكون أو بالأحرى سيكون سببا لاستياء حلفاء الولايات المتحدة كالسعودية و تركيا و الإمارات. بالنسبة لهم إيران و قبل كل شيء عبارة عن خصم و منافس. بالنسبة للقادة الأمريكيين الحصول على اتفاق مع روسيا و إيران و من دون أن يغضبوا حلفائهم بشكل كبير يشكل نوع من سياسة توازنية.

المباحثات بخصوص الشأن الإسرائيلي الفلسطيني

 

 

التجارب السابقة مع القادة الإسرائيليين تعطي رؤية أكثر صحة للشأن الإسرائيلي الفلسطيني الحالي. منذ عدة سنوات هؤلاء لم يتوقفوا عن فضح النظام الإيراني و ذلك باتهامه بامتلاك سلاح نووي, الذي سيستخدمه لتدمير إسرائيل. هي الحجة نفسها التي يستعملها القادة الغربيون لاتهام إيران و جعلها تحت مقاطعة اقتصادية. لكن كما نرى إن هذه الحجة يمكن أن تنسى بسرعة عند الضرورة من اجل تسهيل اتفاق وتحقيق مصلحة ما. بالنسبة لتهديدات القادة الإسرائيليون بالتدخل العسكري ضد المواقع الذرية الإيرانية فعلى الأكثر لن تقوم إسرائيل بتطبيقها إذا ما عارضت ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. القادة الإسرائيليين لن يقللوا من معارضتهم لتقارب غربي مع إيران, خشية أن يفقدوا دورهم كحليف رأيسي مع أميركا في المنطقة.

إن إعادة التوجه السياسي الأميركي في المنطقة, الذي في مضمونه لن يذهب لمدى بعيد, خصوصا فيما يتعلق بحليف كإسرائيل, الذي يبدو لهم دائما ذا فائدة كبيرة. يبدو أنها تريد الحصول من إسرائيل على بضع تنازلات خجولة من اجل أن إعطاء قليلا من الثقة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. هذا لا يعني بأي من الأحوال إلا عن أشياء رمزية تقدمها إسرائيل, كتجميد إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة أو تحسن وضع الحكم في المنطقة المحتلة تجاه الفلسطينيين. سيكون بكل تأكيد بعيدا عن إعطاء أي قاعدة لتسوية المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. إن تنازلات بسيطة من هذا النوع ستكون كافية لخلق مشاكل سياسية لقادة الإسرائيليين و الذين يخضعون لرأي اليمين و اليمين المتطرف في إسرائيل. في كل الأحوال لا شيء يستحق الانتظار من هذه المفاوضات و خصوصا بما يتعلق برغبات الشعب الفلسطيني. هذه المفاوضات يمكن ان تجري كما هو من المعتاد ,اتفاق بين الإمبرياليين و دول المنطقة يهمل من بنوده وينسى الشعب الفلسطيني.

بخصوص هذه الدول من إيران حتى تركيا و حتى سوريا و الإمارات. الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ليس سوى خطاب ديماغوجي موجها لإرضاء الرأي العام في هذه البلدان و من دون أي جهود حقيقية. كما هو الحال بالنسبة للشعوب الأخرى في المنطقة, معركة الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه تتداخل مع معركة الطبقة العاملة الواعية في كل الشرق الأوسط من أجل تحررها من هذه الدول المضطهدة, المتنافسة فيما بينها, ولكن هذه الدول من إسرائيل لتركيا و من السعودية حتى مصر, تتعاون كلا على طريقته من أجل الحفاظ على السيطرة الإمبريالية في الشرق الأوسط.

أفريقيا على المسار المتعرج للتنمية غير المتوازنة

في السنوات الأخيرة يتم أحيانا تقديم أفريقيا على أنها أمل المستقبل بالنسبة لنمو الاقتصاد العالمي وذلك بسبب معدل نموها الذي يبلغ في المتوسط 3 ٪، أي أعلى منه في أوروبا.

بما أن ثروة أفريقيا تتكون أساسا من الموارد الطبيعية - ولكن ذلك لا ينتطبق على جميع البلدان الأفريقية - فبمجرد أن يبدأ في بلد ما استثمار ثروة معدنية ما غير مستغلة حتى الآن حتى يرتفع ناتجه المحلي الإجمالي بشكل حاد. لكن امتلاك المواد الخام التي تهم البلدان الامبريالية كانت دائما لعنة بالنسبة لغالبية الشعوب الافريقية.

إن استغلال مناجم الحديد في موريتانيا وغينيا البوكسيت والنفط في نيجيريا وأنغولا والغابون واليورانيوم في النيجر قد أدى إلى إثراء طبقة رقيقة من أصحاب الامتيازات على المستوى المحلي، الذين يحتلون عموما المراكز العالية في جهاز الدولة، وكذلك بعض الموظفين الكبار والمتوسطين العاملين في الشركات الغربية.

وفي القابل، لا يحصل السكان المحليون إلا على قدر ضئيل جدا من الفتات، بل وأنهم يعانون من العواقب الوخيمة لهذه الاستثمارات : من تحويل دلتا النيجر الغنية بالبترول إلى مكب للقمامة فيستحيل بذلك صيد الاسماك الذي كان يؤمن عيش السكان المحليين إلى مصادرة الأراضي من الفلاحين لتلبية أطماع شركة كبيرة. وفي كل مكان تحل فيه الرأسمالية تبدأ الأسعار بالارتفاع مما يؤدي إلى تفاقم الفقر لدى الأغلبية من السكان.

وفي العديد من الدول الأفريقية، يؤدي استغلال الموارد المعدنية والموارد الطبيعية ليس فقط لعملية تركيز الثروات لصالح الشركات الكبيرة ولكن أيضا إلى إشعال الحروب الأهلية. فوراء الحرب العرقية في سيراليون كان هناك الالماس ؛ ووراء تلك في ليبيريا هناك استثمار الأخشاب النادرة.

وإذا كان الكونغو - كينشاسا )زائير سابقا) ممزق بشكل دائم بالاشتباكات بين العصابات المسلحة فذلك لأنه واحد من أغنى البلدان في العالم بفضل موارده المعدنية، وهو ما يسمى ب"معجزة الجيولوجية" التي يتحدث عنها الجغرافيون. ووفقا للصليب الأحمر، لقد أدت هذه الحروب، بين عامي 1996 و2006، إلى أربعة ملايين قتيل، وهي أبعد من أن تكون قد انتهت... لكن بعض الشركات الغربية الكبرى المتخصصة في النحاس أو الماس، ناهيك عن مصنعي الأسلحة، يستمرون بجني الثروات في حين أن سكان المناطق حيث تدور المواجهات يغرقون في الهمجية.

ولقد تم دمج الدول الافريقية الغنية بالموارد الطبيعية، كما معظم الدول الفقيرة المنتجة لمواد الخام، في علاقات التجارة الدولية وذلك بشكل تهيمن فيه البلدان الامبريالية عليهم. فما يميز المبادلات هو كون التبادل غير متكافئ بين الطرفين، حيث يتوجب على البلدان الفقيرة تقديم المزيد من المواد الاولية وذلك في مقابل القليل من المنتجات الصناعية والتي تقل مع الوقت.

ومع ذلك يؤدي تحول الاقتصاد نحو اقتصاد المال إلى زيادة تبعية الدول الفقيرة بالنسبة للدول الغنية. فبالإضافة إلى النهب الحقيقي الذي تشكله عملية التبادل غير المتكافئ، تتحمل البلدان المنتجة للسلع الاولية آثار المضاربات المالية. فعندما تزيد تكهنات البورصة سعر سلعة ما، تعود الافادة إلى شركات للتجارة الدولية الكبيرة أو حتى المصارف و"صناديق التحوط" (الهادج فوند) التي تقوم بقطف الفائض. وعندما تنهار الأسعار، فذلك يؤدي إلى تخفيض الإيرادات الحكومية.

لكن الجانب الأكثر كارثية لاقتصاد المال هو التغيرات في الأسعار التي تنتجه المضاربة فتدفع بأجزاء مختلفة من السكان نحو المجاعة. وقد سجلت العديد من البلدان الأفريقية في السنوات الاخيرة أعمال شغب بسبب الجوع.

ومع ذلك فأولئك الذين يتحدثون عن أفريقيا باعتبارها إلدورادو جديدة للاستهلاك لا يخطئون كليا. ولكن من سوف يستفيد من كل ذلك ؟ الطبقات المترفة الافريقية بعض الشيء، ومرة أخرى، بعض الشركات الغربية الكبرى بشكل خاص.

وإن كانت أفريقيا تنطلق من مستوى منخفض جدا، فإنها تشكل فعلا سوقا متنامية بسبب نمو سكانها (الأهم بين جميع القارات) وبسبب عملية التمدن المتسارعة فيها.

فالمدن الأفريقية الكبرى تتنامى بشكل كبير. لاغوس في نيجيريا تضم 12 مليون نسمة وكينشاسا في الكونغو 10 مليون نسمة.

وبسبب الفقر والمجاعة، يجد سكان الريف أنفسهم مجبرين على ترك القرى واكتفاءهم الذاتي اقتصاديا، ليذهبوا إلى المدن فيصبحوا في مرمى اقتصاد السوق.

ومهما كانت ضئيلة المبالغ التي يتمكنون من جنيها (بضعة يورو في اليوم الواحد)، يشكل سكان الأحياء الفقيرة والعشوائيات سوقا بفعل عددهم. فلاقتصاد الرأسمالي خبرة طويلة في ما يتعلق بجني الأموال على حساب الفقراء. فحتى بناء كوخ في الأحياء الفقيرة يتطلب شراء الاسمنت والحديد... وشركات الهاتف الكبيرة تتمكن من إخراج آخر قطعة نقد من جيب موظف يتقاضى أجورا زهيدا في سبيل بيعه هاتف خليوي.

إن تطور عدد السكان بشكل كبير، حتى ولو كانت قدرتهم الشرائية ضئيلة، يؤدي إلى حد أدنى من الحاجات من بنية تحتية ومعدات، على الأقل لدى الأقل فقرا منهم.

إن التنمية الناتجة عن ذلك هي عبارة في المقام الأول عن "تنمية التخلف"، ما يعني التنمية غير المتوازنة التي تزيد اتساع الفجوة بين المدن ذات التطور السريع من جهة والأرياف المتروكة إلى حالها من جهة أخرى. وفي داخل المدن الأفريقية يتم بناء المباني الحديثة بجانب الأحياء التي ينتشر فيها داء البرص، وفيلات الأغنياء بمحاذاة الأحياء الفقيرة.

وهناك أيضا تنمية غير متوازنة بين مختلف البلدان والمناطق في القارة الأفريقية. دولتان اثنان فقط، جنوب أفريقيا منذ زمن ونيجيريا في الآونة الأخيرة، تشهدان بعض التطور الصناعي، وهما أيضا من بين البلدان الأكثر تعدادا من حيث عدد السكان.

ولعل ساحل العاج تشكل أفضل تمثيل للتنمية التي تخصصها الرأسمالية للبلدان الأفريقية.

فالمصانع الحديثة تنمو في محيط بنيته التحتية غير مصانة أو حتى معدومة. والحداثة تجاري التخلف والثروات السريعة المنال تبدو بشكل فج بين غالبية من العمال الذين بالكاد يتمكنون من كسب عيشهم، وهم محرومون من كل شيء. وحتى حيث يحدث نمو صناعي، فإنه يحدث في وسط بحر من التخلف العام إن على المستوى المادي، الثقافي أو أخلاقي.

لكن مجرد تركيز عدة مئات أو الآلاف من العمال في نفس الشركات والمناطق الصناعية يخلق وضعا متفجرا. هذه البروليتاريا هي حديثة العهد، غير محطمة معنويا ولكنها في نفس الوقت دون أي تقليد سياسي.

يمكننا دون أي شك استنتاج الوضع في جميع البلدان الأفريقية انطلاقا من وضع ساحل العاج، ذلك على الأقل في البلدان التي أدى تغلغل الرأسمالية فيها إلى انشاء شركات صناعية.

والأمر ينطبق أيضا على العديد من البلدان الأخرى في الاجزاء النامية في العالم حيث يؤدي التطور الرأسمالي إلى خلق بروليتاريا حديثة لكنها تعيش في نفس الظروف التي عرفتها البروليتاريا في مانشستر أو ليفربول في حقبة الثورة الصناعية.

وإن كانت البروليتاريا تشكل أقلية في كل بلد على حدة - ليس أكثر مما كانت عليه البروليتاريا في البلد الكبير والمتخلف الذي شكلته روسيا أيام الثورة عام 1917 - فهي اليوم أكثر تعدادا بكثير مما كانت عليه في القرن 19 في البلدان الأوروبية القليلة التي كانت في مرحلة الثورة الصناعية.

في جميع البلدان النامية تعيش البروليتاريا الصناعية الحديثة في نفس الأحياء الفقيرة والعشوائيات التي يعيش فيها العدد الذي لا يحصى من فقراء المدن الذين لا تسمح الرأسمالية بإيجاد مكان لهم ضمن الشركات الكبيرة ومشاريع البناء والمناجم. فإن تجهزت البروليتاريا الحديثة في هذه البلدان بوعي طبقي وبتنظيمات قادرة على تقديم سياسة تدافع عن مصالحها، فإنها سوف تتخذ بشكل طبيعي رأس الحراك الثوري مصطحبة فقراء المدن وفقراء الريف (وذلك خاصة مع تكاثر المزارع الرأسمالية الكبيرة في العديد من البلدان الفقيرة كمزارع المطاط وزيت النخيل وغيرها، والتي لا تقوم فقط بتدمير الطبيعة وبطرد الفلاحين بل أيضا بتكوين بروليتاريا زراعية مستغلة أكثر من البروليتاريا في المدن).

إنها هذه البروليتاريا بأكملها، مع تلك في البلدان الرأسمالية القديمة، التي تمثل المستقبل.

إن البروليتاريا التي ولدت في أوروبا الغربية قد تطلبت عدة عقود للوصول إلى الوعي بأن صراعها الطبقي لا يمكن أن ينجح إلا بتدمير النظام الرأسمالي. هذا الوعي قد تطلب ما قدمه ماركس والشيوعيون الثوريون آنذاك. وقد تميزت عقود عدة من تاريخ البروليتاريا الوليدة بكفاحات عقيمة أحيانا، كتلك التي هدفت إلى تعطيل الماكينات، وكانت تقتصر في بداياتها على أشكال مختلفة من التكافل حتى ظهر بعدها الوعي الطبقي وحتى وجدت الماركسية، في تحليل أداء الاقتصاد الرأسمالي، الأسس الموضوعية للنتيجة النهائية للصراع الطبقي ألا وهي الثورة الاشتراكية.

لكن الستالينية قامت بقطع سلسلة انتقال تجارب نضالات البروليتاريا الطبقية والتي ازدادت عولمتها مع عولمة الاقتصاد الرأسمالي الذي أولدها.

فلو استمر نقل التقاليد الثورية للحركة العمالية في البلدان التي دخلت في سياق التطور الرأسمالي في فترة طويلة بعد وقت ماركس، حتى بعد ثورة 1917، لكان من شأن ذلك أن يجنب الكثير من التجارب والأخطاء للبروليتاريا الشابة في هذه البلدان. في أيامنا هذه، يبدأ نضال المنظمات التي تدافع عن هذه التقاليد بمحاربة التقاليد الرجعية التي، بسبب تأخر حدوث الثورة، عادت للظهور في كل مكان...

ومع ذلك، فإن بروليتاريا البلدان الفقيرة سوف تجد مسارها، كما يجب على البروليتاريا في البلدان الصناعية القديمة، والتي أصبحت امبريالية، العودة إلى هذا المسار. فالبرجوازية، وإن تمكنت من أنقاذ نظامها المسيطر لمدة أطول بكثير من تصور الثوار الشيوعيين في الماضي، إلا أنها لن توقف مسار التاريخ.

لقد قلنا مرات عديدة بأن بناء حزب ثوري لا يمكن فصله عن بناء الأممية. نحن لا نعرف ما الدور الذي سوف تلعبه منظمتنا الصغيرة في نقل التقاليد الشيوعية الثورية. ونعرف حتى أقل من ذلك المسار الذي سوف يتبعه إحياء الحركة الشيوعية العالمية. ولكن يجب علينا أن نفكر ونناضل بحسب مصالح البروليتاريا وامكاناتها مع العلم بإنه عاجلا أو آجلا، بأن القوى التي من المرجح أن تؤدي إلى إسقاط الرأسمالية سوف تجد طريقها.